الثورة أون لاين – عبدالمعين زيتون:
الكثير منا اليوم أصبح يستفيد من ظاهرة تحميل الكتب على الانترنت – ليس عن سوء نية ربما- بل بفعل اﻷعباء المادية التي يفرضها ثمن الكتاب الورقي.
وبات حتى أساتذة الجامعات، الذين من المفترض فيهم أن يكونوا أحرص من غيرهم على احترام حقوق الملكية الفكرية، هم أكثر الفئات إقبالا على تحميل الكتب، وأصبح بعضهم لايتردد من الإشارة إلى روابط التحميل على منصات التواصل.
والمفارقة أنهم عندما يصدرون شيئا ما من تأليفهم يحرصون منتهى الحرص على بيعه لطلبتهم بأثمان مرتفعة،وهم في هذا يكيلون بمكيالين، مما يثبت أن نشر المعرفة ليس هدفا وحيدا في نهاية المطاف.
لقد هُجرت رفوف مكتبات الجامعات من طرف زوارها، وأغلقت المكتبات الخاصة في الشوارع أبوابها، وباتت حقوق الملكية الفكرية بموضوع الكتاب الالكتروني في خبر كان.
وأيا كانت إيجابيات هذه الظاهرة، فإن سلبياتها الواسعة الانتشار على الانترنت أكثر من إيجابياتها،وآثارها السيئة في فضاء المعرفة تنعكس على التأليف والنشر وحتى على نسبة القراء. وهذه اﻵثار ستكون وخيمة-بلا شك على المدى البعيد.
هذا الأمر لايتعلق ببعض المواقع الالكترونية، بل إن ثمة مئات المواقع المختصة في هذا النوع من اللصوصية-إن صح التعبير-والتي تقوم بشكل ممنهج بالتعدي والسطو على الكتب القديمة والإصدارات الجديدة على السواء،في نسحها الكترونيا، فيما بات يسمي “البعض” هذا العمل تحت عناوين لطيفة بقصد شرعنة هذا التعدي.
هذه الظاهرة مختلفة كليا عما يروج في المجتمعات الأوروبية، حيث أصبح الكتاب الالكتروني تقليدا تخصص له دور النشر هناك طبعته الخاصة.
وإذا بحثنا في الظاهرة فربما سنكتشف بأن بعض المواقع المشرفة على عمليات اللصوصية المنظمة تحركها جهات مشبوهة لأهداف خطيرة، تتمثل في زيادة قتل التأليف والنشر والثقافة في البلاد العربية عموما،تحت عنوان مزيف تسوقه وتدعي (أن هذا الفعل المشبوه) يخدم مايسمى ،بدمقرطة القراءة وإتاحتها للعموم”.
وإذا ياترى بعد كل هذه الفوضى وتشتت القيم اﻷدبية،إذا لم نقل ضياعها،من سيسهر الليالي لتأليف كتاب كما كنا نرى من قبل!
ومن اﻷلوان الوقحة التي ترافق هذه الظاهرة أن بعض لصوص الكتاب اﻹلكتروني المنظَّمين باتوا يضعون أسماء مكتباتهم على جميع صفحات الكتاب الواحد،الذي يسطون عليه بهذه الطريقة مما يشوه الكتاب نفسه، ويسيء إلى قراءته، ويعبر جهارا عن منتهى الاستهتار والاستخفاف بالقوانين الصادرة في هذا الشأن.
حتى إن بعض أسماء اللصوص اصبحت وكأنها “ماركات”مسجلة.
إن مدنا بلا مكتبات تبدو أجسادا بلا أرواح.
أليس الأمر أخطر مما نرى أو يرى هؤلاء اللصوص؟
ألا تخفي هذه المهنة المشبوهة في تحميل الكتب على الانترنت نقمة لم نحسب أخطارها الحضارية والثقافية بعد؟ ترى!!
كم فرصة عمل نسفتها هذه اللصوصية دون أن يبالي أهلها بالضحايا؟
الأشرطة السينمائية هي اﻷخرى ليست بمنأى عن ذات اللصوصية بعدما أصبحت اليوم أقراصها المدمجة تباع على على اﻷرصفة،وفتحت محال خاصة بعناوين براقة،باتت متخصصة في المتاجرة فيها بلا رادع.
لقد فقد الكثير من المكتبات ودور السينما دورها الثقافي والتربوي بغياب الجمهور الذي كان يراها مقصدا للمتعة والثقافة والتنزه.
قد ندري (أو لاندري)،أن اللصوصية والسطو على الكتاب الورقي قد قتل المكتبات. ولن نتخيل مدنا كبيرة يعيش فيها ملايين السكان بدون مكتبات!!
ترى مافائدة سرقة كتاب وتحميله على الانترنت إذا كانت ستلحق النقمة يالمجتمع ككل،إضافة إلى أن آثاره السلبية أخطر من أية نعمه فردية،
ترى هل نقرأ فعلا الكتب التي نحملها؟
لايختلف إثنان اليوم بأن نسبة القراءة بين الشباب انخفض كثيرا بالمقارنة مع الأمس، رغم كل ما هو متوفر اليوم من وسائل التعليم والتثقيف.
ويكفي للتأكد من ذلك متابعة ما ينشر على منصات التواصل الاجتماعي.
فقد باتت الرداءة والبلاهة والتفاهة والجهل عُملات الكترونية يومية رائجة! ولغتنا العربية باتت غريبة مضطهدة بين أهلها. فنحن كقراء تحركنا احتياجاتنا ورغباتنا الشخصية أثناء تحميل كتاب ما، وقلما مانبالي بآثار ذلك على الثقافة والمجتمع وحقوق الغير.
إن أغلبنا يرى اليوم أن الكتاب متوفر مجانا، لعلنا نفعل ذلك بلا رقيب وبلا حسيب؟ دون أن أستثني نفسي عن ظاهرة أصبحت عامة-مع اﻷسف-
ولكن في هذا المجال كما في غيره فإن من لا يراقبه ويحاسبه ضميره لن يفلح أي قانون في ردعه ومعاقبته. والقضية في النهاية تبدو مشكلة تربوية أكثر من كونها ربما مشكلة قانونية. ويمكن أن نرى ببساطة اﻵن أن تحميل الكتب قد تكون نعمة صغرى نجني فوائدها كأفراد،لكنها تخفي نقمة اجتماعية وحضارية كبرى تظهر بعض ملامحها اليوم ونعتقد أنها ستتفاقم مع مرور الوقت على مستوى المجتمع ككل.