الملحق الثقافي:حبيب الإبراهيم:
غالباً ما تلجأ الصحف والمجلات، إلى تخصيصِ صفحاتٍ أسبوعيّة لاستقطاب المواهب الشّابة، التي تتلمّس طريق الأدب والإبداع، بحيث تُتيح لها فرصة الظهور والانتشار على نطاقٍ واسع، والتمكّن من الأدوات، وصقل التجربة وتجاوز بعض الثغرات أو الهنّات، وهذه الصفحات تختلف تسميتها من صحيفة إلى أخرى، مثل نادي الأصدقاء، أقلام واعدة، أدب الشباب، على دروب الإبداع، واحة الأدب، وغيرها من أسماءٍ تسلّط بمجملها الضوء على تلك المواهب، وتستقطب إبداعها، وتعمل جاهدةً على رعايتها والأخذ بيدها، وأعتقد أنّه ما من أديبٍ إلّا وبدأ هكذا بداية، وتدرّج في مضمارِ الكتابة، وعمل بكلِّ الإمكانات المتاحة على صقلِ وتطوير تجربته، وهذا بكلِّ تأكيد يحتاج إلى المزيد من القراءة والاطلاع، على تجاربِ من سبقوه في مضمار الكتابة والإبداع.
ولعلّ التجارب التي قامت بها الصحف المركزية “الثورة، البعث، تشرين” وصحف المحافظات، ومعها صحف المنظمات الشعبيّة، مثل جريدة (المسيرة) التي تصدر عن قيادة اتحاد شبيبة الثورة، وجريدة (جيل الثورة) التي تصدر عن الاتحاد الوطني لطلبة سورية.. هذه الصفحات، وتلك الصحف، لعبت دوراً هاماً في استقطابِ المواهب الأدبية وتوجيهها، والأخذ بيدها لتأخذ مسارها الصحيح والقويم على دروب النتاجات المبدعة، وقدّمت تلك الأقلام نصوصاً إبداعيّة في مختلف الأجناس الأدبية من شعرٍ وقصة وخاطرة ومقالة، ترقى إلى مستوى الكتّاب المتمرسين والمبدعين، ويمكن القول أن هذه الصحف، خرّجت الكثير من الأدباء الذين هم اليوم أحد المفاصل الهامة في العمل الثقافيّ والأدبيّ، على امتداد الساحة الثقافيّة، وعندما تعود بنا الذاكرة إلى مطلع الثمانينيات، لا بد أن نتذكر الكثير من الأسماء التي كانت تنشر في تلك الصفحات، مثل: غسان كامل ونوس، عبدالرزاق إبراهيم، شلاش الضاهر، علي سليم، عبد الرحمن سيدو، جاك صبري شماس، نصر علي سعيد، حسين البكار، أيمن معروف، خالد عثمان، حبيب الإبراهيم، محمود البعلاو .. وغيرهم من أسماءٍ كانت تنثر عبق حروفها، قصصاً وقصائد عذبة، جميلة، وليعذرني الأصدقاء الذين لم تسعفني الذاكرة بذكرِ أسمائهم.
لا شك أن هذه الاسماء وغيرها تعبت واجتهدت، وتابعت مسيرتها رغم كلّ الظروف وصعوبات التواصل، وانتقلت من مرحلة إلى أخرى بكلّ ثقةٍ وهدوء، ولا يمكن نكران الدور الإيجابيّ لتلك الصفحات والمشرفين عليها، وسعة صدرهم ونضج تجربتهم، واحتفائهم الفرِحْ بتقديم هذه الأسماء من على منابرها.. المنابرُ التي كانت متنفساً وواحة غنّاء، للكثير ممن وجدوا في الحرفِ والكلمة، حياة حقيقية وخلوداً أبدي.
لا بُد هنا أن نتحدث أيضاً وبإيجازٍ، عن دور الملاحق الثقافية وأهميتها في تحريك الحياة الأدبيّة والفكريّة، بالرغم من تخصّصها أحياناً، ونوعية ومستوى المواد التي تنشرها وتركّز عليها، فقد فسحت المجال للأقلام الشابة المبدعة، وقدمتها للقرّاء إلى جانب أسماءٍ أدبيّة كبيرة، يشار لها بالبنان، وهذا أعطاها دفعاً قوياً للمتابعة، وصقل التجربة والارتقاء بها، وذلك إيماناً منها بالدور التثقيفيّ والتنويريّ لهذه الملاحق، في رفدِ الحركة الأدبيّة بدماء جديدة، وكنوعٍ من التحفيز والتشجيع، لمواصلة طريق الكتابة والإبداع.
ولعلّ تجربة ملحق الثورة الثقافي، من أغنى وأنجح التجارب التي ما زالت مستمرة حتى الآن، حيث ساهم الملحق باستقطابِ الأدباء والمفكّرين والمبدعين في شتى مجالات المعرفة، فقدّموا عصارة فكرهم وإبداعهم على صفحاته، وإن كانت الكثير من الملاحق قد توقف صدورها، أو صدرت بشكلٍ متقطع لأسبابٍ عديدة، قد يكون السبب الاقتصادي من أهمها، فإن استمرارية ملحق الثورة الثقافي بالصدور رغم ظروف الأزمة والحرب التي فُرضت على سورية، يعطيه أهمية كبيرة في استقطاب كتّابٍ وأدباء ومفكّرين، لهم حضورهم في الساحة الثقافية، ولهم آراءٌ ودراسات وإبداعات، يقدمونها بروحٍ عالية المسؤولية.. مسؤولية الكلمة والموقف تجاه القضايا الوطنية والاجتماعية والفكريّة والإنسانية.
التاريخ: الثلاثاء7-9-2021
رقم العدد :1062