الثور أون لاين – نهى علي:
انعكست حالة الجمود الاستثماري، والسياسات التسليفية المتحفظة على عمل المحاكم المصرفية المتخصصة بشكل كبير، ويرى خبراء الاقتصاد أن عمل وكثافة القضايا المنظورة في هذه المحاكم يمكن أن يكون أحد المؤشرات المهمة لقياس الأداء والتفاعل في أي اقتصاد.
وتشير تقارير وزارة العدل إلى تراجع عدد الدعاوى المصرفية المسجلة بدمشق بنسبة كبيرة بين الأعوام الأولى من تأسيس المحاكم المصرفية والعام الحالي، حيث فرضت الإشكاليات المالية والقروض المتعثرة في تلك المرحلة (2014 – 2015) تشكيل هذه المحاكم لتعالج تعثر تجاوزَ مليارات الليرات، إلا أن معالجة قسم كبير من التعثر خلال السنوات السابقة عبر لجان مخصصة لهذا الأمر، إضافة إلى التوقف عن منح التسهيلات الائتمانية من المصارف لفترة طويلة، كلها عوامل أدت إلى انخفاض عدد الدعاوى إلى الثلث تقريباً، حيث سجل 2000 دعوى في 2015، مقابل 600 دعوى في العام الحالي.
وخلافاً لرأي الخبراء..ترى مصادر وزارة العدل أن تراجع الدعاوى يدل على أن المحكمة شكلت عامل ردع لكلا الطرفين (المصرف والعميل)، فضلاً عن القانون 26 لعام 2015 الخاص بتسوية الديون المتعثرة لدى المصارف العامة (الجدولة)، إذ ساهم إلى حدٍّ كبير بخفض عدد الدعاوى المسجلة لدى المحكمة من خلال إجراء تسوية على كامل كتلة الدين بما لا يتجاوز 10 سنوات كحد أقصى، وعلى أن تخضع كامل كتلة الدين لمعدلات الفائدة المعتمدة لدى المصرف بتاريخ التسوية والتي يتقاضاها على التسهيلات الائتمانية المشابهة.
وفي تفاصيل أكثر تشير المصادر إلى أن أنواع من الدعاوى سلكت طريق التناقص، كدعاوى منع السفر التي بلغت نسبتها بالأعوام الأولى لإنشاء المحكمة ما يقارب 80%، لتبلغ نسبتها بالعام الحالي 10% فقط، خلافاً لدعاوى الاعتراض على منع السفر التي سلكت طريق الازدياد، والتي كانت نسبتها في الأعوام الأولى لإنشاء المحكمة ضئيلة، لترتفع وتبلغ بالعام الحالي ما يقارب 80%.
500 – 600 دعوى منظورة حالياً أمام المحكمة المصرفية بدمشق بالشقين المستعجل والعادي، فالدعاوى المستعجلة تتضمن منع السفر والاعتراض على منع السفر (رفع منع السفر)، ودعاوى الحجز الاحتياطي، ورفعه في حالات معينة، ووقف التنفيذ والاعتراض على الحجز الاحتياطي الموضوع من قبل وزير المالية، أما الدعاوى العادية فهي التي تتضمن المطالبة بمبلغ مستحق بذمة العميل مع فوائده وغرامات التأخر المترتب عليه، إضافة إلى المطالبة برفع تدبير منع السفر وإلقاء الحجز الاحتياطي على أموال العميل المدين اللذين يصدران عن المحكمة بالصفة المستعجلة تبعاً لموضوع الدعوى.
وفيما فصلت المحكمة بما يقارب ثلثي هذه الدعاوى حتى تاريخه، فإن مدة التقاضي تختلف نظراً لخصوصية كل دعوى وتفردها بإجراءاتها المستقلة لجهة ما قبل الشروع بالمحكمة وما بعده، إذ إنه من غير الجائز تحديد زمن محدد يطال كل الدعاوى، فمنها ما يستغرق يوم أو بضعة أيام، ومنها ما يصل لعام أو عامين تبعاً لمجموعة عوامل منها ما يتعلق من دعوة وإخطار (مرحلة ما قبل الشروع بالمحاكمة)، ومنها ما يتعلق بتبادل الدفوع بين أطراف الدعوى، أو لتوافق الأطراف ومطالبتهم للمحكمة لمنحهم مهل محددة نظراً لوجود مساع للمصالحة تتمثل بحل خلافاتهم دون المثابرة على السير بإجراءات الدعوى بغية التوصل لحل ودي فيما بينهم لتنتهي الدعوى.
إلا أن المحكمة تعمل على الإسراع بالبت بالقضايا الماثلة أمامها عبر اتخاذها مجموعة إجراءات تتمثل بمنح المهل المتقاربة لتبادل الدفوع، والاقتصار على الاستمهال لمرة واحدة فقط دون أن تتعداها لأكثر من ذلك إلا في حالة الضرورة القصوى التي يعود أمر تقديرها للمحكمة الناظرة حصراً.
وأمام ما يشكله منع السفر والحجز الاحتياطي من جدلٍ كبير حول السلطة المخولة بإصداره إن كانت القضائية فقط أم لوزير المالية دوره أيضاً، توضح مصادر الوزارة، أن المشرع منح الحق لوزير المالية بإلقاء الحجز الاحتياطي على أموال العميل المتعثر نيابة عن السلطة القضائية المختصة أصلاً بإلقائه، خلافاً لتدبير منع السفر الذي تتفرد به المحكمة المصرفية بفرضه كما تنفرد أيضاً برفعه وفقاً لدعوى يرفعها العميل.
وبالعودة إلى القروض المتعثرة تؤكد مصادر الوزارة أنه من الصعب تحديد المبالغ المستردة منها حتى الآن، إلا أنها تشكل مبالغ كبيرة لا يستهان بها وتقدر بالمليارات، وكان للمحكمة دور أساسي بمعالجتها من خلال ما تملكه من صلاحيات بإلقاء الحجز الاحتياطي والبيع بالمزاد العلني لاحقاً في حال الامتناع عن الوفاء بالالتزامات المالية، فكان دورها إما مباشر عبر التضييق على المتعثر، أو غير مباشر يتمثل بعامل الردع الذي تشكله المحكمة لأي من يفكر بالحصول على التسهيلات الائتمانية وإساءة التعامل معها.