الثورة أون لاين – سلام الفاضل:
اختلفت تجربة الفنان نصير شورى عن غيره من الفنانين لما تقدمه هذه التجربة من رؤية فنية مميزة، لها مفاهيمها الخاصة، اعتمد فيها شورى على تناسق لوني تعرضه اللوحة مهما اختلف شكلها، وتباينت صياغتها، وهذا التناسق اللوني هو ما جعل اللوحة مقبولة، الأمر الذي يؤكد أن “الفن صياغة خاصة لعلاقات الأشكال والألوان، من خلال رؤية شخصية للفنان، تعطيه هذه الخصوصية”.
وموهبة الفنان نصير شورى هي موهبة فطرية راسخة ترجع إلى طفولته الأولى حيث رسم إحدى لوحاته عندما كان في الخامسة من عمره، واستمرت هذه التجربة بالنضج والتطور حتى يوم وفاته.
وأمام هذه القيمة الفنية التي يمثلها نصير شورى، يكون الحديث عن تجربته الرائدة في ميدان الفن أمراً لا بد منه للإضاءة على خصوصية هذه التجربة، وما كان لها من دور مهم في تطوير محترف فن الرسم السوري، ودفعه إلى الريادة في هذا المضمار، وفي هذا الجانب يأتي الكتاب الصادر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب تحت عنوان (نصير شورى… سيمفونية الألوان)، وهو من تأليف: طارق الشريف.
يقع هذا الكتاب في ثلاثة فصول يتناول فيها المؤلف جوانب عدة من حياة وتجربة الفنان نصير شورى إذ يعرض في الفصل الأول ما كان للطبيعة وحبها من دور مهم في تحفيز شورى على تطوير شغفه الفني، وبلورة موهبته، إلى جانب تعرّفه الانطباعية، ومفاهيم التعبير عن الأشكال عن طريق الألوان، والتدرجات الضوئية عن طريق احتكاكه بروّاد الانطباعية في سورية أمثال الفنان جورج بول خوري، والفنان ميشيل كرشة الذي رافقه شورى في جولات عدة وتفرّد عنه في أنه أغنى الانطباعية بألوان خاصة به، وحساسية شخصية، ولم يُغفل المؤلف هنا كذلك ما كان لدراسة الفنان نصير شورى في كلية الفنون في القاهرة، وتعرّفه إلى كبار روّاد الفن التشكيلي في مصر، وتجارب الفنانين الأجانب الذين نظموا المعارض في القاهرة من أثر بارز في نضوج هذه التجربة التي بدأ فيها شورى يتخلى عن الشفافية اللونية التي ميّزته بدايةً، متجهاً نحو الاعتماد على المساحات الضوئية، التي تتوزع اللوحة إليها.
وأُفرد الفصل الثاني للحديث عن بعض الخطوط العريضة في تجربة الفنان نصير شورى، ولا سيما بعض لوحاته التي كرّسته فناناً مبدعاً في مضمار رسم الوجوه الشخصية التي حاول عبرها شورى الولوج إلى أعماق الشخص المرسوم، وتقديم المعاني العميقة التي تختفي خلف الإشارة، أو الحركة. أو في ميدان معالجة التكوينات الإنسانية التي كشفت تجارب شورى فيها عن معلميته، حيث حاول الجمع بين خبراته اللونية، ورؤيته للمضمون الإنساني، إضافة إلى ما قدمه من تجارب في رسم المناظر الطبيعية. وعرج المؤلف في هذا الفصل أيضاً على إسهامات الفنان نصير شورى في تأسيس الجمعية السورية للفنون التي توزعت أنشطتها بين إقامة المعارض وعقد المحاضرات.
واختص الفصل الثالث بالحديث عن التجريدية في أعمال الفنان نصير شورى، حيث رأى المؤلف: “أن تجربة شورى التجريدية تتمتع بأهمية فنية كبيرة، لما قدمه من أعمال فنية أصيلة، أعطت التجارب المجددة والرائدة ضمن تطور الحركة الفنية في سورية، فأصبحت اللغة الفنية المجرّدة تمثل التجربة الطليعية، وأدخلت هذه الحركة في مرحلة الحداثة الفنية التي أعطت الفن التشكيلي المعاصر وجهاً جديداً، وعمقاً ضرورياً”.
واختُتم الكتاب بعرض نبذة عن لوحات الفنان نصير شورى كي يتمكّن القارئ عبر الحرف واللوحة من الولوج إلى تجربة هذا الفنان الرائد، والتوغل في إسهاماته التي منحت فن الرسم في سورية بُعداً آخر، ونقلته إلى آفاق من النضج والتطور.