الثورة أون لاين – ريم صالح:
هي البلطجة الأمريكية يبدو أنها لم ولن تعرف حداً لتلزمه وتقف عنده، صحيح أن الإدارات الأمريكية سواء كانت جمهورية أم ديمقراطية هزمت في فيتنام، وأفغانستان، والعراق، وها هي تهزم في سورية اليوم، وصحيح أن كل مشاريعها العدوانية والاستعمارية منيت بفشل مرير أينما حلت، إلا أنها لا تزال تقامر على ذات البيادق، وتراهن على نفس الأوراق المكشوفة، بل الأصح المفضوحة.
ربما الهلع والخوف من روسيا والصين هو ما يحدو بأمريكا لتسابق الزمن، وتختلق من مخيلتها العدوانية، المزيد من البرامج، والسيناريوهات التي تتوهم أنه من خلالها ستتسيد العالم، وتجعل الشعوب في قبضتها ، وتقطع الطريق بالتالي عن موسكو وبكين باعتبارهما يقفان حجر عثرة في وجه مشاريعها الاستعمارية.
الجديد اليوم أن بوصلة الهيمنة الاستعمارية الأمريكية تتجه حالياً صوب العمق الأوروبي، وعلى ما يبدو فإن التوق الأمريكي للنهب، والتخريب، والتسيد، لم يكتف بإفريقيا، ولا بأمريكا اللاتينية، ولا بآسيا، وتحديداً الشرق الأوسط، وإنما نرى العين الاستعمارية الأمريكية اليوم ترنو نحو حليفتها أوروبا.
وما نقوله هنا ليس مجرد كلام، وإلا ما معنى ما سبق وصرحت عنه الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية “يو إس إي آي دي” بأنها تعمل حالياً على إطلاق ما يسمى برنامج “لدعم الديمقراطية” في ثماني دول أوروبية هي بلغاريا، وجمهورية التشيك، وهنغاريا، وبولندا، ورومانيا، وسلوفاكيا وسلوفينيا وكرواتيا.
في زمن العجائب الأمريكي لم يعد هناك أي شي مستغرباً، أو مستبعداً، فنظام الهيمنة الأمريكي مستعد لاختلاق أي ذريعة، وتصنيع أي برنامج، وإعداد أي سيناريو، طالما الهدف كان استلاب عقول الأوروبيين، وجعلهم تحت السيطرة الأمريكية، وبالتالي خلق وتشكيل حالة من الكراهية لديهم تجاه روسيا والصين.
والجدير ذكره هنا أن ما يسمى برنامج “دعم الديمقراطية” لم يكن البرنامج الأول الذي تحاول من خلاله أمريكا السيطرة على الشعوب، بل إننا إذا ما تصفحنا سجلات التاريخ، وعدنا بالزمن وتحديداً إلى العام 1954 لوجدنا أن أجـهزة الـمخابرات الأمريكية بدأت في ذاك العام، وبالتعاون مع شـخصيات بارزة في الـمجتـمـعات العالمية في وضع “برنامج أو نظام بشـري يضـمن سلامة السلوك الجـمـاهيري، والسيطرة على وسائل الإعلام، وغسل أدمغة الشعوب، مـحل الاستهداف” وهو ما عرف آنذاك بمشروع مونارك.
لا نبالغ إذا قلنا أن أمريكا تحاول أن تسابق الزمن لتدحض كل نظريات العلماء والفلاسفة الذين أكدوا أنها وكل إمبراطوريتها التي بنيت على الجماجم والدماء إلى زوال، ولكن ما نحن واثقون منه أنها ستفشل حتماً، أي أمريكا، فكل الشعوب العالمية على وجه البسيطة قد أدركت من هي أمريكا، وما هي أجنداتها، وما هي مشاريعها السوداوية، لذلك لن تفلح مهما حاولت.
وعلى سبيل الذكر لا الحصر نستذكر هنا نبوءة صمويل هنتنغتون في كتابه “صدام الحضارات” والذي قال فيه إن الهيمنة الأمريكية والاستبداد الذي يمارسه القطب الواحد سوف يتلاشى حتماً، وأن الضغطة الغربية التي استمرت مائتي عام على الاقتصاد العالميّ سوف تنتهي.
وأيضاً نستشهد بكتاب “عالم ما بعد أمريكا” لفريد زكريا والذي قال فيه إن التحدي الأصعب الذي تواجهه الولايات المتحدة هو التحدي الدولي، فهي تواجه نظاماً عالمياً مختلفاً تماماً عن ذلك الذي اعتادت على التحرك ضمنه، صحيح أنّ الولايات المتحدة لا تزال اللاعب الأكثر قوة في العالم في الوقت الحاضر، لكن الميزان يتغير مع كل عام ينقضي.