القمة السورية الروسية بين السيدين الرئيسين بشار الأسد وفلاديمير بوتين، كانت غنية بعناوينها ومضامينها ودلالاتها، وحملت رسائل مهمة تؤكد متانة الحلف الاستراتيجي الذي يجمع بين البلدين الصديقين، حيث أثبت هذا التحالف حضوره وتأثيره القوي على مجرى الأحداث الإقليمية والدولية، ولاسيما أن البلدين يقفان معاً في خندق واحد ضد الإرهاب الذي تغذيه الولايات المتحدة لخدمة مشاريعها الاحتلالية، وهذا الإرهاب يشكل خطراً وجودياً ليس على سورية وحسب، وإنما على المنطقة والعالم بأسره.
القمة جاءت في ظل تعقيدات المشهد الدولي، التي تفرضها سياسة البلطجة الأميركية على الساحة الدولية، حيث تستميت إدارة بايدن لفرض أجنداتها في سياق مشروعها الفوضوي والتدميري المعد لسورية ودول المنطقة برمتها، لكنها لا تزال تصطدم بالمعادلات الميدانية التي يفرضها الجيش العربي السوري بمساعدة حلفائه على الأرض، وبدا واضحاً خلال القمة ثبات الموقف الروسي الداعم لسورية في حربها ضد الإرهاب، ومن هنا فإن التأكيد الروسي على مخاطر استمرار الوجود العسكري الأجنبي غير الشرعي على العملية السياسية، والخطر الذي يمثله وجود بعض البؤر الإرهابية على الأمان والاستقرار، هو رسالة واضحة بأن سيادة وسلامة ووحدة الأراضي السورية خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وهو رسالة أيضاً لكل المراهنين على إبقاء إدلب بؤرة دائمة للإرهابيين وداعميهم، بأنه لا يمكن السماح بأن تتحول هذه المحافظة إلى “ملاذ آمن” للتنظيمات الإرهابية التي تعيث فيها خراباً وتدميراً، وهي إشارة تأكيد واضحة بأن التنسيق بين دمشق وموسكو لتحرير جميع الأراضي السورية من الإرهاب مستمر، فاستعادة الأمن والاستقرار عامل أساسي لتحقيق النجاح على مسار الحل السياسي.
أوجه التعاون المشترك بين سورية وروسيا، كثيرة ومتعددة (عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وتجارياً وثقافياً وصحياً وغير ذلك..) وهي تزداد رسوخاً اليوم، نظراً لحجم التحديات المشتركة التي تواجه البلدين، ومن الطبيعي أن يعزز البلدان تعاونهما المشترك لمواجهة تلك التحديات، ولاسيما أن الجهود المشتركة حققت الكثير من النتائج خلال الفترات الماضية، وخاصة على صعيد مكافحة الإرهاب، حيث تم دحر التنظيمات الإرهابية في معظم الجغرافيا السورية، ولم يبق سوى بعض البؤر الإرهابية في إدلب ومنطقة الجزيرة، وهي لن تدوم طويلاً، وكذلك تم قطع أشواط طويلة على طريق إيجاد حل سياسي يحافظ على سيادة سورية ووحدة أراضيها “اجتماعات أستانا وسوتشي”، وكان للتنسيق السوري الروسي في المحافل الدولية أبلغ الأثر في منع استصدار الكثير من القرارات الأميركية والغربية العدائية ضد سورية في مجلس الأمن.
العلاقات السورية الروسية ترتكز على مبدأ الثقة والاحترام المتبادل بما يخدم مصلحة الشعبين الصديقين، ولذلك تزداد رسوخاً، وتعزز من متانتها القواسم المشتركة في تعاطيهما مع العديد من القضايا الدولية، حيث يرفضان إلى جانب الكثير من الدول الصديقة سياسة الهيمنة الأميركية، والتدخل الغربي السافر في شؤون الدول الأخرى، ويدافعان بقوة عن قواعد الشرعية الدولية انطلاقاً من احترامهما للقرارات والمواثيق الأممية، ولا شك بأن تعزيز التحالف والشراكة الإستراتيجية بين سورية وروسيا سيحصد ثمارها شعبا البلدين، وكل الشعوب المحبة للسلام.
البقعة الساخنة – ناصر منذر