الثورة أون لاين – لمى حمدان:
مع إطلالة شمس صباح جديدة وفنجان قهوة على الشرفة في يوم عطلة هادئ لا يقطع هدوءه إلا صوت أغنية لفيروز ” أنا يا عصفورة الشجن .. مثل عينيك بلا وطن .. “.. استوقفتني فجأة الذكريات البعيدة العابرة .. منها السعيدة.. لكن كان للحزينة منها النصيب الأكبر .. فقد عادت بي للأوقات العصيبة والصعبة التي مرت عليّ في مشوار حياتي .. كأنه شريط عرض سريع مر أمامي .. تذكرت معه اللحظات المؤلمة والامتحانات القاسية التي وضعتني الحياة أمامها.. وكيف استطعت جاهدة أن اتجاوزها واتغلب عليها بعزم واصرار .. ثم فكرت أن هذه المآسي والامتحانات والمواقف الحزينة بتنوعها كانت في وقت من الأوقات هبة من الله على عكس ما يتبادى لنا في لحظة ضعف أنها عقاب من الله على ذنوب قد نكون اقترفناها على حين غفلة منا .. ذلك أن الأمر على غير ذلك النحو تماما..
فأحياناً كثرة الأضواء حولنا لاتدعنا نرى النور الذي بداخلنا كما النجوم المختبئة في السماء تحت ضوء الشمس الساطع تنتظر حلول الليل لتظهر جمالها وبريقها اللامع وتصبح مرئية للعيان .. لذا فكرت انه لا ضير من وجود القليل من العتمة في حياتنا تساعدنا على إظهار ذلك النور واكتشافه وإعطائه المجال كي يشرق .. وهذا ما تفعله بنا المتاعب والتحديات والعقبات التي تمر علينا في مشوار الحياة .. نحن بحاجة لحدوثها أحياناً في حياتنا ..فهي على صعوبتها وما تحدثه فينا من تثبيط للعزيمة وشعور بالاستسلام بما ترميه من ثقل على أرواحنا وطاقة تحّملنا إلا أنها في الوقت ذاته قد تكون فرصة ومفتاحا للانطلاق واكتشاف الذات وتحقيق المستحيل وصنع اللامحدود من المحدود.. هذه الفكرة ذكرتني بعبارة جميلة لغادة السمان تقول: ” البحر ساحر.. والموج الأبيض يتسلق شاطئ الأمان.. الموجة التي تنجح في تسلّق الشاطئ تجف وتموت.. كي تعيش الامواج يجب أن تظل في حالة اضطراب وخفقان .. ونحن كالأمواج .. الاستقرار في الأمان يقتل شيء في داخلنا ” .. فالمحطات الصعبة في حياتنا هي التي تقودنا للاستمرار والتجدد الذي يعطي النبض المتجدد لروح أيامنا ..
فتلك العتمة التي نحتاجها قد تقودنا لاكتشاف قدرات كامنة لدينا لم تكن لتخطر على البال تنطلق بنا إلى آفاق جديدة نعيد معها ترتيب حروف كلمة ألم ليولد منها أمل.. ففي حين كنا نظن أن الطرق قد سُدت ولا مجال إلا للخضوع والاستسلام يظهر أن الحال غير ذلك إذ أنه يوجد وراء العتمة نجاح خارق ومبهر فتحته أمامنا دون سابق إنذار أو تخطيط.. وأن الأمل والسعادة موجودة أمامنا لا تحتاج منا الكثير من البحث لنجدها إنما فقط النظر لداخل ذاتنا قليلا كي نراها .. كما قال شمس الدين التبريزي ” كيف يمكن للبذرة أن تصدّق أن هناك شجرة ضخمة مخبأة داخلها؟ ما تبحث عنه موجود بداخلك “..
فلكل منا القدرة على أن يصل بالعزيمة الثابتة والعمل الدؤوب ويطلق العنان لذلك النور داخله كي يحقق المستحيل رغم كل العقبات التي على العكس تكون السبب في حدوث المنارة الجديدة في حياتنا.. تخبرنا أننا قادرون ولدينا الكثير لنقوم به.. وأن الحياة مليئة بالمفاجآت الخفية والعجيبة التي نكون نحن من صنعناها دون أن ندري وتأخذنا معها لما فوق التوقعات وللمحطات الأجمل والاكمل في الحياة.. ” فإذا بدا كل شيء حولك مظلماً .. انظر حولك مرة أخرى .. قد تكون أنت النور”..