الملحق الثقافي:حبيب الإبراهيم:
لا شك أن الحرب المُدمّرة التي فُرضت على وطننا سورية.. سورية الأرض والإنسان.. سورية التاريخ والحضارة.. أرخت بظلالها على كلّ نواحي الحياة، وخاصة من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، حيث غيّرت الكثير من السلوكيات والعادات، الأمزجة وأنماط التفكير، وطرائق المعيشة وطريقة الحياة، وصولاً إلى تبدّلٍ في القيم والمفاهيم والأخلاق و…
اقتصادياً، أدت الحرب وعلى مدى سنواتها العشر العجاف، ومن خلال سعي أعداء الوطن إلى تدمير المعامل والمصانع ومؤسسات الإنتاج والبنية التحتيّة، إلى حرمان الشعب السوري من مقوّمات عيشه وصموده وثباته وتضحياته، فقلّت الموارد وخرجت الكثير من المصانع والمنشآت عن الخدمة، بسبب سيطرة الإرهاب على المناطق الموجودة فيها، ما أدّى إلى حدوثِ أزمات واختناقاتٍ متتالية، بدءاً من الوقود، مروراً بالدواء، وليس انتهاءً بالرغيف و…
هذه الأزمات المتلاحقة، أضعفت المواطن وخاصة أصحاب الدخل المحدود، أو من هم بلا عملٍ، أضعفتهم وأنهكتهم وجعلتهم يسعون ليل نهار، لتأمين معيشتهم بعزّة وكرامة …
وبما أن أحد أهم أسباب الحرب التي أرهقت المواطن، فساد وانعدام الأخلاق، فقد استغلها عددُ غير قليلٍ من الفاسدين، فأثرى ثراءً فاحشاً على حساب المواطنين.. ارتفعت الأسعار، ووصلت إلى مستوياتٍ كبيرة جداً، كما أن بعض التجار احتكر وتلاعب ونافس و…
إزاء هذا الوضع، بدأ التفكير بالسفر والهجرة يراود الشباب، وكان للضخّ الإعلامي، وخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، التي برعت في تصوير مستويات الدخل العالية في البلدان الأخرى، دوراً كبيراً في تشجيع الشباب على الهجرة إلى العراق وليبيا و…. وفي تزاحمهم أمام مكاتب الهجرة والجوازات، للحصول على جوازاتِ السفر استعداداً لرحلة الأحلام ؟!
ثمّة أسئلة يجب أن تُطرح في هذا المقام، هل هذه الظاهرة طبيعية، أم أن ثمّة من يدفع الشباب السوري إلى الهجرة والسفر، وحرمان الوطن من طاقاته وإبداعاته، وقواه العاملة، وخاصة أننا بأمس الحاجة، لكلّ خبرة وعامل وتقنيّ في فترة إعادة الإعمار؟!!…
قرأنا في كتب التاريخ، أن أصعب وأمضى عقوبة على الإنسان، نفيه خارج وطنه ؟!. فكيف سيكون الحال، عندما يكون هذا النفي طوعيّ وبإرادته ؟!..
من خلال صدى الأحاديث التي تصل من هنا وهناك، فإن الكثير من الشباب السوري (المهاجر) أو (المسافر) ممن يحملون إجازاتٍ جامعية، يعملون أعمالاً خدميّة، سواء في الفنادق أو المطاعم أو …
قولاً واحداً، الشباب السوري طاقة هائلة من العمل والعطاء، يمكن توجيه طاقاته وإمكاناته وخبراته، واستثمارها داخل الوطن، وتوطينها وتعزيز دورها ومكانتها في عملية البناء والإعمار، ورفع مستوى الشباب السوري من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، من خلال زيادة الرواتب والأجور، وتأمين مساكن شبابية بأقساطٍ مريحة، ومنحه قروضاً طويلة الأجل، والأخذ بيده إلى مرافئٍ أكثر أماناً واستقراراً .
الاستثمار لشبابِ الوطن، هو الخطوة الأولى، والاستراتيجية البعيدة المدى، للاستفادة القصوى من أفكارهم ونشاطهم وإمكانياتهم، بما يحقق تنمية بشرية مستدامة، وهذه المسؤولية لا تقع على الحكومة فقط، بل هي مسؤولية وطنية كبرى، تشمل المنظمات الشعبية والنقابات المهنية والمجتمع الأهلي، ورجال الأعمال الذين عليهم توظيف المشاريع والاستثمارات، وإدارتها ذاتياً من قِبل الشباب، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب بكلِّ ثقةٍ واقتدار .
الشباب أمل المستقبل، بسواعدهم وفكرهم النّير المنفتح، تنهض الأوطان وتزدهر، وعليهم تُعقد الآمال، فهم الأكثر قدرة على صياغة أبجديات التطور والتقدم، وهذا ما يجب العمل عليه في المستقبل القريب ..
التاريخ: الثلاثاء14-9-2021
رقم العدد :1064