الثورة اون لاين – فاتن دعبول:
كنا منذ عقد من الزمن وأكثر قد طرحنا السؤال نفسه على مجموعة من الكتاب والمبدعين ومن لديهم مكتبات شخصية…ما مصيرها هل فكروا بذلك لاسيما أن الكثير من الأبناء والورثة غير مهتمين بالكتب .. وها نحن نعيد طرح السؤال نفسه..
لكل مكتبة شخصية حكايتها الشخصية، فهي الشاهد الحي على ثقافة صاحبها وميوله الفكرية ومنابع ثقافته، وربما تكون في كثير من الأحيان مصدر إلهامه، فهي رفيقة لحظاته الإبداعية ونتاجاته التي شكلت في مرحلة ما نبض حياته وعصارة فكره.
وعليه فإن ثمة علاقة حميمية تربط المبدع بمكتبته، وخصوصا أنها لا تحمل في مضمونها تلك القيمة الثقافية وحسب، بل ترافقها ذكريات مكانية وزمانية سواء على صعيد الكتب المهداة والطقوس التي رافقت ذلك أو المكان والزمان الذي اقترن باقتناء الكتاب، ومن رافقه من الأصدقاء، وما دار بينهم من أحاديث ونقاشات.
وبعد ذلك كله ترى كيف ينظر هؤلاء الكتاب إلى مكتباتهم بعد رحيلهم؟
د. حسين جمعة: المكتبة لمن يقدر قيمتها
يقول د. حسين جمعة: لدي مكتبتان، فقد أمضيت عمري كله في الكتابة وفي تعقب الكتب هنا وهناك، وتفضيل شراء الكتاب على مائدة طعام، وقد توافر لي مكتبتان، الأولى في دمشق، وفيها أمات الكتب، والثانية في قريتي، وفيها عدد غير قليل من الكتب الأدبية والسياسية، فحين كرمني الله أن كنت رئيسا لاتحاد الكتاب العرب، وأنني أستاذ في جامعة دمشق، ما وفر لي عددا كبيرا من الكتب التي أهديت لي، ولاسيما الكتب الأدبية” الشعر، القصص، الروايات، والنقد والمسرح وغير ذلك”.
لذلك أعلنت أنه إن لم يستفد من هذه المكتبة أبنائي، فسأقدم المكتبة التي في دمشق إلى جامعة دمشق كلية الآداب، أو مجمع اللغة العربية.
وأضاف جمعة: أما مكتبة قريتي” حوش عرب” فسأقدمها هدية للمركز الثقافي في القرية، لتكون أداة لتثقيف أبناء هذه القرية، ولمن يرغب في ذلك.
وأتمنى حقيقة أن يكون أولادي على مستوى المسؤولية، فإن لم يستطيعوا أن يحافظوا عليها، فعليهم أن يقدموها لمن جاء في الوصية.
وختم بالقول” شكرا لكل من يقرأ، لأنه لا يستوي القارىء العالم العارف، بالذي لا يقرأ.
د. إبراهيم زعرور: لا يوجد قرار نهائي
إن مسألة الثقافة كانت ومازالت وستبقى تشكل الأساس في تاريخ الشعوب والدول والجماعات والأشخاص والمنظمات وسواها، ويؤكد الدكتور إبراهيم زعرور رئيس فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب أن الكتاب خير جليس في الأنام، وبالتالي فبناء المكتبة يرافق الإنسان منذ بداية الوعي، وربما قبل أن يصيبه الوعي المرتبط ببناء الإنسان العلمي والثقافي والكشف عن الهوية التي يحملها وينتمي إليها ويتمسك بها، وترافقه لعقود من الزمن تمتد أحيانا لستة عقود أو يزيد وربما ينقص.
ويرى بدوره أن بعض الناس يقومون ببيع المكتبة الشخصية، والبعض يهديها للمكتبة الوطنية في وطنه، والبعض الآخر يهديها للجامعة التي تعلم فيها، وآخرون يمكن أن يقدمها لمؤسسات تربوية أو تعليمية أو ثقافية حكومية أو مدنية خاصة، وأحيانا يفضل البعض نقلها لأسرته” الأولاد والأحفاد”..
هذه الحالات جميعها موجودة عند جميع من يقتنون مكتبات شخصية، قضوا عمرا في بنائها بالتعب والجهد، نمت معه وكبرت ونشأت بينهما علاقة حميمية بينه وبينها، يحتاجها كما تحتاجه شريكة حياة ورفيقة درب وعمر مشترك، وبالتأكيد الفراق لابد منه، ولابد من خيار باتجاه ما، حسب طبيعة الإنسان نفسه وإيمانه ويقينه برسالته العلنية والثقافية، لذلك فيما يتعلق بمكتبتي التي عاشت معي ستة عقود، فأنا أمام خيارين، إما أن أهديها لأبنائي وأحفادي أولا، أو يمكن ان أهديها لمدرستي التي تعلمت فيها المرحلة الابتدائية، أو المكتبة الوطنية، لكن إلى الآن لا يوجد قرار نهائي فيما يخص مكتبتي الشخصية.
د. عبد الله الشاهر: التوجه للشباب
ويعتبر د. عبد الله الشاهر الكتاب ملكية عامة، حتى إذا كان اقتناؤه شخصيا، لأن المعرفة هي نتاج إنساني وبالتالي يجب أن تكون متاحة لكل الناس.
ويضيف: أن خصوصية امتلاك الكتاب، لا تعني ان تكون حصريا لصاحبها، ومن هذا المنطلق يقول: أنا أعتبر مكتبتي هي ملكية عامة وليست خاصة، وإذا كان أولادي وأحفادي قادرين على التعامل مع هذه المكتبة ليستفيدوا منها، فستؤول إليهم، أما إذا لم يقدروا هذا المخزون الثقافي، أفضل أن توضع في مكان عام يستفاد منه.
وأفضل أولا أن تكون في المدارس أو الجامعة، لأن فيهما يكمن الشباب وهم المخزون الحقيقي للوطن، وأمنيتي أن تكون مكتبتي بأيدي أكبر عدد من الناس، لأن هذه المكتبة هي خلاصة نتاج البشرية، ولأننا شعب لا يقرأ، فالهدف هو نشر القراءة بين شرائح المجتمع كافة، ولا نريد القراءة فقط للخاصة، فتعميم الثقافة والفكر، هو مسؤولية مجتمعية يجب أن نعمل عليها.
ناظم مهنا: مصيرها مجهول
ويرى الأديب ناظم مهنا رئيس تحرير مجلة المعرفة ان علاقة الكاتب بمكتبته الشخصية تختلف من شخص لآخر، ويقول: أنا شخصيا أقلق كثيرا عندما أفقد كتابا من المكتبة، ويزعجني ان يستعير أحدهم كتابا ولا يعيده.
لكن الأفضل أن تؤول المكتبة بعد غياب الكاتب إلى أكبر عدد ممكن من القراء في المنطقة التي يعيش فيها الكاتب، والحقيقة أنا لا اشغل نفسي في مصير مكتبتي، لأن انتهاء الحياة تعني انتهاء علاقتي بالمكتبة.
وأنا فقدت الكثير من كتبي في القرية، لقناعة الوالد أن الكتاب ليس مكانه على الرف، بل يجب ان يعبر من قارىء إلى قارىء، لذلك لم يكن يحتفظ بالكتب في مكتبته، بل كان يوزعها جميعها.
ولاشك تربطني بالمكتبة علاقة حميمة، بذكريات المكان والأصدقاء، ومع ذلك فهي بعد الوفاة تصبح أشياء خارج ذاته.