الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
يبدو أن كلمة (أشباه) لم تعد تقتصر على الألبان والأجبان وبعض المأكولات وما شابه ، وإنما امتدت لتصل إلى الدراما في عملية التأثير على الجمهور واستقطابه بأية وسيلة كانت بما فيها المقالب والتهريج ، فمع الشح الكبير للأعمال الكوميدية التي تلامس الناس وتحترم عقولهم ظهر على ساحة السوشيل ميديا ما يمكن تسميته بـ (أشباه الكوميديا) ، وهذه الأشباه تصدت لها منصات وصفحات على الفيسبوك ومواقع على اليوتيوب.. الهدف منها إضحاك من يتابعها بأية وسيلة كانت مستجدية عدداً أكبر للدخول إلى الموقع وحصد ما يمكن حصده من (الإعجاب) و (المشاركة) لتضمن لها الاستمرارية ، ولكن الأمر لم يعد يقتصر على هذا الحد وإنما امتد إلى ما هو أبعد من ذلك ووصل درجة (الاستهتار وخربان البيوت) حتى أن خبراً تم تناقلته مؤخراً عن تسبب أحد المقالب بوقوع طلاق بين زوجين شابين.
مما لا شك فيه أنه في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الاستثنائية التي نمر بها والتي تشكل عنصراً ضاغطاً على الكثير من العائلات بات الناس بحاجة إلى فسحة للتنفس تحاول زرع الابتسامة والضحكة على الوجوه ، الأمر الذي تلقفه عدد ممن امتهنوا العمل على (السوشال ميديا) واعتبروه تربة خصبة ليزرعوا فيه ما شاؤوا من سخافات وتفاهات وسذاجة لا حدود لها ، منها ما يأتي على شكل لوحات تمثيلية تحمل ما تحمل من الإسفاف والسطحية ، وفي كثير من الأحيان ايحاءات غير بريئة (هذه الايحاءات تطال حتى عنوان اللوحة) إضافة إلى الملابس التي كثيراً ما تندرج تحت إطار (غير لائق) .. ذلك كله يعتبر تشكيلة من البهارات التي يرى صانعوها أنها المفتاح السحري لكثيرين ليلجوا إلى هذه المواقع ويتابعوا ما يضعون عليها من (إبداعات !!.) ، وفي تدرج الأهمية بالنسبة إليهم يأتي فيما بعد دور موضوع اللوحة وما يمكن لها أن تقدمه من مفارقات يُقترض أنها تحمل وإن شيئاً من الكوميديا .. هذا شكل من أشكال ما يُقدم ، وفي شكل آخر نتابع برامج تقدم فكرة ما أو مقلباً أو مسابقة ساذجة وتنسج عليها حالة من (النكت) في محاولة لاصطياد العفوية عند المُلتقى بهم من جهة واستغلال إغواء وقوفهم أمام الكاميرا وظهورهم ضمن برنامج يراه الناس ، ولكن ذلك كله لا يصنع إبداعاً ، ولكي لا نقع في فخ التعميم فمما لا شك فيه أنه قد تفلت من هذا الكلام قلة قليلة جداً ونادرة جداً مما يُقدم .
يبدو أن شريحة الشباب مستهدفة دائماً في محاولة التسطيح وقلب المفاهيم عبر تقديم محتوى إن لم يكن مسيئاً فهو فارغ لا معنى له ، فبعد الأغاني التي تروج للحشيش نتابع اليوم لوحات تمثيلية وبرامج فارغة المضمون والله يستر مما سيُقدم غداً ، وبالطبع ليس هناك جدوى من المنع ، فكل ممنوع مرغوب خاصة لدى الجيل الشاب ، والحل الأمثل بتقديم البديل المناسب الذي يخاطب هذه العقول بصيغة مُقنعة جاذبة تشد الشباب إليها وتقدم لهم وجبة مسلية فيها فائدة وتحمل القيم والمبادئ التي نحن اليوم في أشد الحاجة إلى التأكيد عليها ، هي واحدة من المهام التي ينبغي العمل عليها ضمن إطار إعادة الإعمار ، وهناك الكثير من البدائل التي يمكن أن تتوجه إليهم بإطار مقنع وراقٍ يعكس حالة حضارية وجمالية وإنسانية ينبغي أن يتم تكريسها بدلاً من تكريس المفاهيم المغلوطة ، شبابنا غدنا وإن لم ندرك أهمية التوجه إليهم واستقطابهم لن يكون لهم دورهم المؤثر في عملية البناء.