الثورة أون لاين – ترجمة ختام أحمد:
يبدو أن توازن العلاقة التركية مع كل من روسيا والولايات المتحدة على وشك الانهيار، فبعد فشل جهود أنقرة لتعزيز موقعها في الناتو وإصلاح العلاقات مع واشنطن على حساب موسكو، التقى الرئيس التركي رجب أردوغان بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، ومع ذلك فإن مغادرته مدينة سوتشي دون ضغوط مشتركة مع بوتين يشير إلى مدى ضعف موقف أنقرة قبل القمة.
استمرت المحادثات بين الرئيسين ساعتين و45 دقيقة، وبالنظر إلى الوقت المستغرق مع الترجمة، كان الاجتماع أقصر نوعاً ما مما كان متوقعاً بعد توقف اللقاءات منذ 19 شهراً، نوقشت فيها القضايا المتنازع عليها بما في ذلك سورية والقوقاز وليبيا وأفغانستان وعقود جديدة للغاز الطبيعي واحتمال حصول تركيا على صواريخ روسية الصنع إضافية من طراز S-400.
وجاء تعليق أردوغان بعد الاجتماع في تغريدة: ” لقد عقدنا اجتماعاً مثمراً مع بوتين وغادرنا سوتشي “، وأظهرت القمة أيضا أن السياسة التركية فشلت في إنقاذ الدبلوماسية التركية مع روسيا وأمريكا منذ أن تولى الرئيس جو بايدن منصبه.
جاء اجتماع أردوغان – بوتين في أعقاب زيارة أردوغان للولايات المتحدة الأسبوع الماضي لحضور قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي أسفرت عن خيبة أمل، استهل الرئيس التركي زيارته لنيويورك برسائل بناءة تجاه واشنطن، على أمل تحقيق نجاح مماثل لاجتماعه مع بايدن في بروكسل.
جاء هذا الاجتماع وهو الوحيد بين أردوغان وبايدن منذ أن تولى الأخير منصبه بعد مبيعات تركيا لطائرات بدون طيار لأعداء روسيا اللدودين بولندا وأوكرانيا، وبعد أن أعربت أنقرة عن أسفها الشديد لضم شبه جزيرة القرم، واستعداد تركيا لتحمل المسؤولية عن أمن مطار كابول الدولي بعد انسحاب أميركا من أفغانستان، ومع ذلك فشل أردوغان في نيويورك في تأمين فرصة لالتقاط الصور مع بايدن، ناهيك عن لقائه وجهاً لوجه على هامش أعمال الجمعية العامة.
وقال أردوغان في ختام رحلته إلى نيويورك دون أن يخفي انزعاجه، “آمل ، بصفتنا دولتين في الناتو أن نتعامل مع بعضنا البعض بصداقة لا عدائية” لكن المسار الحالي لا يبشر بالخير.. النقطة التي وصلنا إليها في علاقاتنا مع الولايات المتحدة ليست جيدة ولا أستطيع القول إن الأمور بدأت بداية جيدة مع بايدن “.
ومضى في الإشادة بالعلاقات التركية / الروسية وقال: “لم نر أي خطأ في علاقاتنا مع روسيا”، مشدداً على أن أنقرة لن تتخلى عن نظام الدفاع الصاروخي S-400 الذي اشترته تركيا من روسيا – وهي واحدة من أكثر النقاط إثارة للجدل بين الولايات المتحدة وتركيا، وجدد أردوغان إشادته بحنكة بوتين السياسية وحسم موقف تركيا بشأن منظومة إس -400 قبل اجتماعهما، وأشاد برجال الإطفاء الروس الذين أرسلوا إلى تركيا خلال حرائق الغابات التي هزت البلاد خلال الصيف وأضاف: “الأصدقاء الحقيقيون يصبحون أكثر إشراقاً عندما يحل الظلام”.
بدوره قال بوتين: “المفاوضات مع تركيا صعبة في بعض الأحيان، لكننا تركنا سوتشي بنتائج إيجابية”، تواجه الدبلوماسية التركية عدة تحديات في علاقاتها مع موسكو على عدة جبهات، مبيعات تركيا طائرات بدون طيار لأوكرانيا وتعهد أردوغان بعدم الاعتراف أبداً بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وهو ما يعتبر أمراً حساساً لأمن روسيا وسلامة أراضيها.
وقد كرر أردوغان تعهده بشأن القرم خلال خطابه أمام الجمعية العامة بعد أن أعلنت وزارة الخارجية التركية أن انتخابات الدوما التي أجريت في شبه جزيرة القرم هذا الشهر “ليس لها صلاحية في تركيا”.
لو تمكنت أنقرة من كبح ردة فعلها على موسكو بشأن هذه القضية، لكان بإمكان تركيا استخدام ضم روسيا للقرم كوسيلة ضغط في مفاوضاتها مع روسيا، ولكن بدلاً من ذلك حافظت على موقفها الصفري ما أثار حفيظة موسكو.
علاوة على ذلك، فإن تركيا في أسوأ موقف لها في مفاوضات الغاز الطبيعي مع روسيا بشأن العقود الجديدة.. تنتهي عقود الغاز التركية بنهاية العام الجاري، وخمسة منها مع شركات طاقة روسية من بينها غازبروم بعد أن سحبت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) على خط أنابيب نورد ستريم 2 الذي سيضخ الغاز الروسي إلى أوروبا، وتضاءلت حاجة روسيا لخط أنابيب تركيش ستريم ، ما زاد من تآكل موقف أنقرة.
العنصر الأكثر إثارة للجدل بين العاصمتين هو محافظة إدلب شمال غرب سورية، حيث يتصاعد التصعيد بين الجيش السوري المدعوم من روسيا والمقاتلين المدعومين من تركيا، وشنت روسيا ما لا يقل عن 150 حملة جوية في المنطقة الشهر الماضي، متهمة أنقرة بالفشل في الوفاء بتعهداتها في اتفاقات وقف إطلاق النار المتفق عليها سابقاً، وتعهدت تركيا بتطهير إدلب من العناصر المتطرفة، بما في ذلك “هيئة تحرير الشام” التي تسيطر على المنطقة، وإعادة فتح طريق M-4 السريع الذي يسيطر عليه مسلحون مدعومون من تركيا.
كان من المتوقع أن يطلب أردوغان من بوتين وقف الضربات الجوية، ووقف التهديدات ضد المواقع العسكرية التركية حول إدلب، واستئناف الدوريات التركية الروسية المشتركة على طول M-4، لكن موقف روسيا من هذه المسألة واضح تماماً، حيث تستخدم الجماعات المتطرفة المواقع العسكرية التركية في إدلب وحولها كدرع لمهاجمة الجيش السوري.
وفي حديثه على هامش قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن روسيا لن تتسامح مع “هجمات إرهابية” تنطلق من إدلب.
وقد رجحت الأنباء أن دمشق كانت تستعد لتحرك عسكري في إدلب بعد اجتماع الرئيس السوري بشار الأسد مع بوتين في 14 أيلول الماضي و ربما يكون بوتين قد قاس رد فعل تركيا على عملية سورية محتملة على طول M-4.
على الرغم من أن أنقرة صنفت “هيئة تحرير الشام” كمنظمة إرهابية، لا يبدو أنها تعتبر الجماعة تهديداً، “يبدو أن تركيا تتجنب غضب هذه التنظيمات بالقتال العلني ضدها” من حيث مسؤوليتها في القضاء على العناصر المتطرفة في إدلب، وتعتبر أنقرة أن جهود “هيئة تحرير الشام” لكبح جماح فروع القاعدة الأخرى في المنطقة كافية.
أما التطورات الأخيرة في ليبيا فقد جعلت التنسيق الروسي / التركي أمراً لا مفر منه، حيث اتفقت الدولتان على انسحاب الميليشيات الأجنبية من البلاد، لكن لم ينسحب المتعاقد العسكري الروسي الخاص فاجنر، ولا القوات التركية بعد.
وعملية وقف إطلاق النار في منطقة ناغورنو كاراباخ المتنازع عليها هي قضية أخرى نوقشت في القمة، تشمل توقعات أردوغان على هذه الجبهة فتح ممر يربط بين تركيا وأذربيجان عبر منطقة ناخشيفان الأذرية، وتعزيز الجهود المبذولة لإنشاء منصة السلام القوقازية – وهي مبادرة تعاون تركية تشمل روسيا وتركيا وأذربيجان وإيران وجورجيا وأرمينيا، كجزء من هذه الجهود، ترسل أنقرة رسائل إيجابية لتطبيع علاقاتها مع يريفان.
من المحتمل أن تكون مثل هذه التحديات قد عقدت جهود أردوغان لخلق التوازن خلال اجتماعه مع بوتين، ويبدو أن شراء صواريخ إس -400 الإضافية هو الرافعة الوحيدة التي يمكن أن تلعبها تركيا ضد موسكو، لكن هل تستطيع تركيا تحمل شراء مجموعة جديدة من صواريخ إس -400 بعد أن أدت عملية الشراء الأولى إلى تدهور العلاقات بين أنقرة وواشنطن؟.
قد تهدف تصريحات أردوغان إلى تخفيف التوترات مع روسيا مع ترهيب الولايات المتحدة، ومع ذلك، إذا كان الرئيس التركي يأمل في الاستثمار بالمشاعر المعادية للولايات المتحدة قبل انتخابات عام 2023 لتعزيز دعمه المتضائل في الداخل، فقد يكون تصريحه أكثر من مجرد خدعة.
بقلم: فلاديمير سميرنوف
المصدر:
Al-monitor