الملحق الثقافي:ميثاء محمود:
عندما سئلتْ الأديبة التشيليّة «إيزابيل الليندي» عمّا تعنيه الكتابة لديها، أجابت: «حين بدأتُ الكتابة أدركت أن بإمكاني تحدّي كلّ ما يصيبني من جنونٍ وخبلٍ، عن طريقِ خلقِ كونٍ تبتدعه الكلمات.. كونٌ، قد يعبّر عن خصوصياتي ولكنه يملك من الاتّساع، ما يمكّنه من استيعاب أناسٍ آخرين، بحيث يصبحون جزءاً منه أيضاً، فكلّ قارئٍ يقرأ كتبي، يصبح جزءاً من هذا الكونِ لساعاتٍ طويلة، بحيث نتقاسم العيش في هذا العالم، وهذا أمرٌ كوني..»..
هذا الكلام ربما لا يجذب إلا القلائل، ممن لا يزال عشق القراءة والأدب متعتهم المفضّلة، ومع هذا فإن من الضروري إيراده والتذكير به، مع سواه من أقوالِ أدباءٍ، هم مدرسة في عالمِ الأدب والإبداع، لطالما كان كلّ ما يريدونه من الحياة، هو الكتابة التي لم يعتبرها الكولومبي الغرائبي «غابرييل غارسيا ماركيز»، الشيء الوحيد الذي يريده من الحياة فقط، بل والذاكرة التي سعى مبكّراً جداً، وفي سنّ الثامنة، للحفاظ عليها ضمن عالمٍ أنضج وعيه، ما انعكس على أعماله التي خرج من عزلة واقعها، ليدخل في سحرِ تخيّلها، تاركاً ظلام هذا الواقع، لأولئك الذين ارتضوا أن يعيشوا، وأن يتوارثوا، وأن يستسلموا، لـ «مئةِ عامٍ من العزلة».
اليوم، من النادر جداً أن نجد من يصرُّ إصرار «الليندي» على تحدّي ومواجهة ما يعيشه من آلامٍ ومعاناة، بالكتابة أو حتى القراءة، وها نحن نرى الأغلبية، ارتضوا العيش في عالمٍ أشبه بـ «بيت الأشباح»، مستسلمين لكلّ ما قد يصيبهم من خبلٍ وجنون، دون أن يفكّروا، أو حتى يتأثّروا، تأثّر مبدعة «ابنة الحظّ» بالعوالم الساحرة التي خلّصتها من عالمها وقادتها إلى عالم «ماركيز» الذي لم ييأس، ولم يدع العواصف القاسية تطيح بأمنياته، فقد صمّم أن يواجهها، بـ «عاصفة الأوراق» التي علّمته من الدروس، ما رافقه حتى آخر حياته.. الدروس التي كانت تدفعه، وفي كلّ مرّة يداهمه فيها الملل، للاستسلام لإغواء الكتابة، والتي كانت تخرجه دوماً من أيّ مأزقٍ يتعرّض له، في لحظات اليأس والكسل..
هذا ما نحتاجه وبشدّة، ونحن نعيش المأزق تلو الآخر، والخبل والجنون والكسل والقلق والمعاناة والملل.. نحتاج الكون الذي تخلقه أفكارنا، ويجمّله وعينا وقراءاتنا ورؤيتنا، للآخرين الذين علينا التعايش مع حكاياتهم وأحلامهم وأفكارهم، وتقاسم القهر والألم والمعاناة معهم، حتى وإن استمر ذلك آلاف الليالي، وليس فقط «ألف ليلة وليلة»..
التاريخ: الثلاثاء5-10-2021
رقم العدد :1066