شخوصُ الغريب

 الملحق الثقافي:أنور الخطيب *

بأصواتِ الشخوص الساكنة في عينيَّ ورئتي وقلبي ولساني: الشّاعر والروائيّ والصحفيّ والنازح والعاشق والموظف، من كلِّ المنافي التي مررت بها، إلى كلِّ المنافي التي تنتظر، وصولاً إلى وطني الحلم، أعلن: لم يقرأني أحد، لم يفهمني أحد، لم يتلمّس أوجاعي أحد، لم يسند ظهري أحد، لم يخلص في عشقي أحد!..
يقول الناقد: «يحملُ في خلاياه وطناً أكبر من حلمه وأحلامنا، ولا بدّ أنه مباشر كالهزيمة، حتى وإن استخدم الرمز والتضمين وعلم الدلالة..»، فخسر رؤاي.
يقول السياسي: «قضّ مضجعنا بإلحاحهِ وسلاحهِ وشعاراته وتحذيراته، ولا بدَّ أنه يدعو لحربٍ تخلخل بنيتنا التحتية وتقضي على أخضرنا، فليذهب هو وربه فيقاتلا، أخشى لو أطلقتُ يديه أن ينقلب عليّ»، فخسر الأخضر والأحمر والأبيض والأسود والنجوم والنسور والأهلة، وخسر الحبّ الذي يسكن راحتيّ، ويقيني بالثراء من بعد قِلّة.
تقول امرأة: «يعشقني كما لو أنه لم يعشق امرأة غيري، ويعانقني كأنه يعانق خارطة الجنة، يلجأ إلى حضني كطفل، ويقبّلني كمحروم، ويمسك بطرف فستاني كيتيم، وأنا امرأة أهوى السفر والسباحة والسينما والسهر، وأحياناً «القراءة»، فبنتْ في القلب مأتمها.
يقول المدير: «يعمل كالثّور في الساقية، وكالنّحلة في الحقل، لا يحفظ نكتة تضحكني، ولا يخطِّط لسهرةٍ تُمتعني، ولا يكتب بأوصافي الكاملة قصيدة وهو الشّاعر، وأخاله يُخفي سراً كبيراً، مراقبة بريده إجراء احتياطي..»، فجمعت أوراقي وكُتبي وغادرت من دون وداعه..
يقول محاضرٌ وشاعر وفنانٌ تشكيليّ ومسرحيّ وممثل سينمائيّ ومذيع تلفزيونيّ ورئيس مؤسّسة ثقافية: «هذا الكاتب الصحفيّ ينتقد بقسوة، إرضاؤه غاية لا تُدرك، كأنه الناس جميعاً، يمدحنا من حيث نخطئ، ويذمّنا من حيث نصيب، يبدو أنه يعاني من عقدة الاضطهاد والظلم والمنفى، إذا حضر وتّرنا، وإذا غاب شكونا الحراك، هو حائرٌ ويحيّرنا، فهل يجب أن تكون أعمالنا ذات مغزى وهادفة دائما؟.. ألا يحقُ لنا الترفيه وإضحاك الناس والتجريب؟!»، لم أسجن حرفي وواصلت الكتابة، عنّي وعن أبي المدفون في المنفى، وخالي الراحل في وطنٍ بعيد، وصديقي الذي يبني بلداً بمهجته، فلهم ساحاتهم ولي الساح، أرمي عصاي بين سحرتهم وقتما أشاء، وأختار الصباح.
يقول رجل الحدود: «صحيح، معك تأشيرة دخول، لكنني مضطرٌّ لأعيدك من حيث أتيت..»، انتظرتُ حتى اعوجَّ لسانه مع زائرٍ آخر، وضحك سنّه لأخرى، وتسلّلتْ.
لا غرابة إذن، أن تمتلئ سيرتي الذاتية بالأماكن والجهات السبع، والدواوين والروايات والقصص والمقالات، ذات العناوين الغريبة الصادمة، ولا عجب أن تزدحم صفحات وثيقة السفر، بالأختامِ والإقامات والتأشيرات، وخاتم (ملغى) يتسيّد حالات البقاء والشتات، ولا دهشة في كرة أرضية، لا أملك فيها أربعة جدران وسقفاً وباباً، أطلُّ منه على طير الإياب.
لم يدرك أحد أن حامل هذه الشخوص تعبُ، لا شيزوفرينيا في الأمر، ولا عقدة اضطهادٍ، ولا هوَس ولا هلوسة، ولا زهايمر.
لم تدرك النساء أن لا خيانة في الهجر، والتكوّر في زاوية القلب والبيت والشارع والبحر.
لم يدرك الساسة أن لا انقلابات يقوم بها الغريب، وكلّ طموحه أن يسكن في لوحةِ المدى، حيث يعانق الحبيبُ الحبيب.
لم يدرك النقّاد أن الغريب فيلسوف بالفطرة، يسكن خلف المفردة ويكمن لمعنى المعنى كي يصطاده بغتة، ويكتب الشّعر كما ساهر أدمن اللذّة في القعر، يحتسي عشرة كؤوسٍ من وجعٍ، كي يكتب رباعية لعشيقته وقريته التي أصبحت أثراً بعد عين، ويكتب الرواية كما مُرسلٍ من قبائل الهنود الحمر لبعث حكمة الخلود.
لست وحدي من يحمل هذه الشخوص، ولا أحملها لأنني شاعر وروائيّ وصحفيّ ونازح، أجزمُ أن كلّ فلسطينيّ يحملها، حتى لو لم يدخل مدرسة العلم والعشق، يكفي أنه دخل مدرسة الوطن الحلم وحلم الوطن، كي يطمح لإعادة ترتيب كلّ ما يقع عليه نبضه.
لا أحد يريد أن يفهم، لا أحد يريد أن يقرأ، ولهذا أجد اسمي هنا، وجسدي هناك..
* شاعرٌ وروائي فلسطيني

التاريخ: الثلاثاء5-10-2021

رقم العدد :1066

 

آخر الأخبار
مسؤولان أوروبيان: سوريا تسير نحو مستقبل مشرق وتستحق الدعم الرئيس الشرع يكسر "الصور النمطية" ويعيد صياغة دور المرأة هولندا.. جدل سياسي حول عودة اللاجئين السوريين في ذكرى الرحيل .. "عبد الباسط الساروت" صوت الثورة وروحها الخالدة قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل خرقها اتفاق فصل القوات 1974 "رحمة بلا حدود " توزع لحوم الأضاحي على جرحى الثورة بدرعا خريطة طريق تركية  لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع سوريا قاصِرون خلف دخان الأراكيل.. كيف دمّر نظام الأسد جيلاً كاملاً ..؟ أطفال بلا أثر.. وول ستريت جورنال تكشف خيوط خطف الآلاف في سوريا الأضحية... شعيرة تعبّدية ورسالة تكافل اجتماعي العيد في سوريا... طقوس ثابتة في وجه التحديات زيادة حوادث السير يُحرك الجهات الأمنية.. دعوات للتشدد وتوعية مجتمعية شاملة مبادرة ترفيهية لرسم البسمة على وجوه نحو 2000 طفل يتيم ذكريات العيد الجميلة في ريف صافيتا تعرض عمال اتصالات طرطوس لحادث انزلاق التربة أثناء عملهم مكافحة زهرة النيل في حماة سوريا والسعودية نحو شراكة اقتصادية أوسع  بمرحلة إعادة الإعمار ماذا يعني" فتح حساب مراسلة "في قطر؟ أراجيح الطفولة.. بين شهقة أم وفقدان أب الشرع في لقاء مع طلاب الجامعات والثانوية: الشباب عماد الإعمار