شهاداتٌ على الرف.. والتدريب طريق العبور

الثورة – علا محمد :

على رصيفٍ مزدحم قرب كلية الاقتصاد، جلس رامي الحسن يقلب سيرته الذاتية المطبوعة على ورقٍ رخيص، اقتربت منه صحيفة “الثورة” وسألته.. وقال: “تخرجت قبل عامين من كلية التجارة، لكني ما زلت أبحث عن فرصة تناسب تخصصي، قدمت لعشرات الشركات، وأغلبهم طلبوا خبرة مسبقة، فكيف أكتسبها إن لم أعمل أولاً؟”.

في الجهة المقابلة من المشهد، يعمل حسن ديوب، خريج هندسة ميكانيك، في ورشة لتصليح السيارات، لا يخفي رضاه النسبي، لكنه يعترف: “لم أكن أتخيل أني بعد خمس سنوات في الجامعة، سأعمل بمهنة مختلفة عن تخصصي، لكن في النهاية نريد أن نعيش”.

ومن أحد المراكز التجميلية تحدثت شام فاضل، خريجة كلية الإعلام، التي وجدت نفسها في طريق مختلف تماماً، إذ تقدمت بعدة طلبات عمل في مجال الإعلام، لكنها لم تجد ما يناسبها، فقررت اتباع دورة احترافية للعناية بالأظافر، وحصلت على شهادة دولية، واليوم لديها زبائن كثر ودخل مستقر، وهي غير نادمة أبداً.

إلى جانبها يعمل زميلها رامي شحادة، مهندس مدني، خضع لدورة تدريبية في التصوير الفوتوغرافي في المركز ذاته، وبدأ العمل كمصور إلى جانب مهنته الأساسية، مؤكداً أن التدريب منحه باب رزق إضافي ومهارة جديدة لم يكن يتخيل أن يتقنها يوماً.

قصصٌ كهذه تتكرر يومياً بين خريجي الجامعات السورية، طموحات كبيرة وسوق عمل لا يرحم من لا يمتلك “الخبرة”، وبين الحلم والواقع، يطل التدريب المهني كخيط أمل أو “طوق نجاة” يربط ما تعلمه الطالب بما ينتظره في الميدان.

فرص من قلب الشركات

في شركة “أمانا فودز”، بدأت برامج التدريب تعود بعد سنوات الحرب، تحدث اختصاصي الموارد البشرية يزن المصري لـ”الثورة” قائلاً: “أطلقنا برنامج تدريب لطلاب السنوات الأخيرة وحديثي التخرج ضمن خمسة اختصاصات: المحاسبة، الموارد البشرية، التسويق، المبيعات، الجودة والمخابر، نستقبل مجموعات بشكل دوري، ومدة التدريب تتراوح بين شهر وشهرين كحد أقصى، مع منح شهادات تدريب رسمية”.

ويضيف المصري: إن الهدف ليس فقط تعليم الطلاب، بل مساعدتهم على اكتساب المهارات العملية، وبعضهم يتم ضمه مباشرة إلى كوادر الشركة، معتبراً أن هذه الخطوة تمثل بداية حقيقية لتحمل الشركات مسؤوليتها تجاه الشباب بعد الحرب.

ولأن الميدان هو الامتحان الحقيقي، كما وصفه مسؤول التدريب محمد قاسم في شركة “عوالم رقي” للتدريب والتأهيل المهني، فإن الشركة تعمل على ربط التعليم بالتطبيق عبر برامج تأهيل خاصة بالمهندسين، إذ تقدم دورات مجانية لمدة شهر إلى شهرين، يخضع خلالها المتدرب لاختبار تأهيلي، وبناءً على نتيجته يتم قبوله في التدريب العملي ضمن مواقع العمل، ثم يحصل على شهادة معتمدة تؤهله لدخول السوق بثقة.

وتظل الجامعة منبر التعليم والتطبيق، هذا ما برزت به الجامعة السورية الخاصة، إذ تحدثت مديرة الموارد البشرية سوزان القزاز، عن تجربة الجامعة في دمج الطلاب بالتدريب الميداني قائلة: “لدينا شواغر إدارية وأخرى في الهيئة التعليمية، ونمنح الأفضلية للطلاب الذين أثبتوا جدارتهم أثناء التدريب، فالجامعة ترى أن واجبها لا يقتصر على التعليم الأكاديمي، بل يمتد لإعداد الطالب مهنياً وأخلاقياً لسوق العمل”.

التدريب لم يعد ترفاً

وفي هذا السياق، أكد استشاري التدريب والتطوير الدكتور عبد الرحمن تيشوري في حديثه لـ”الثورة” أن جوهر المشكلة يكمن في قدم المناهج الجامعية السورية التي لم تواكب التطورات، ويقول: “مناهجنا الجامعية تفتقر إلى المهارات العملية، ومعظم العلوم نظرية وقديمة، في حين أن سوق العمل اليوم يتطلب مهارات حديثة، وفي بعض الدول تُعدَّل المناهج كل خمس سنوات،

بينما لدينا مناهج عمرها أكثر من خمسين عاماً”، ورأى أن التدريب اليوم أصبح مهنة وحرفة وصناعة قائمة بحد ذاتها، موضحاً أن دولاً مثل ماليزيا تحقّق من قطاع التدريب ما يصل إلى 20 بالمئة من ناتجها الإجمالي، وأنه خلال زياراته لمراكز تدريب عالمية في الأردن وفرنسا، لاحظ أن مئات المتدربين يدفعون مبالغ كبيرة لقاء التدريب المهني المتطور، متابعاً: “من المهم أن يسلك التدريب في سوريا هذا الاتجاه، ليصبح قطاعاً منتجاً يخرّج كفاءات حقيقية ترفد الاقتصاد الوطني”.

كما شدد الخبير على ضرورة تمكين التدريب وإنشاء أكاديميات وطنية متخصصة، والاستفادة من تجربة المعهد الوطني للإدارة العامة، الذي يعد نموذجاً تطبيقياً ناجحاً بالتعاون مع المدرسة الوطنية للإدارة في فرنسا، مضيفاً: إنه بسبب الحرب والعزلة السابقة، تخلّفت سوريا عن ركب التطور في التدريب، في حين أن دولاً عربية، مثل الإمارات وقطر والسعودية أنشأت مراكز أبحاث وتطوير تخرّج كوادر تنافس عالمياً.
وبحسب قوله، من الممكن في بعض التخصصات أن يحل التدريب محل الدراسة الجامعية، وخاصة في المهن التطبيقية مثل إصلاح السيارات، الكهرباء، الطيران، وتطبيقات الحاسوب والذكاء الاصطناعي، مشيراً إلى أن ذلك يعود بفائدة مباشرة على الاقتصاد الوطني والشباب.

ولفت إلى أن أغلب الشباب السوري يفتقر إلى مهارات الإدارة والقيادة والتكنولوجيا والتسويق، داعياً الجامعات إلى تطوير برامجها بما يتضمن هذه المهارات الجديدة التي أصبحت شرطاً أساسياً في سوق العمل الحديث.

خطوات نحو المستقبل

أما عن جودة مراكز التدريب، بين أن بعضها يغلب عليه الطابع الربحي لأنها غير مرخصة، مطالباً بتنظيم مهنة المدرب الوطني ومراقبة الحقائب التدريبية المعتمدة، ورأى د.تيشوري أن على المراكز تقديم بيانات سنوية بدوراتها وبرامجها، وأن تكون الحقائب التدريبية حديثة ومبتكرة وتخضع لرقابة وطنية حقيقية، كما يجب اعتماد المدرب الوطني بشهادات جامعية متخصصة، ومنحه بطاقة رسمية لمزاولة التدريب.

وختم حديثه بالتأكيد على أن سوريا بحاجة إلى سياسة وطنية شاملة تضبط عمل المراكز والمدربين، وتربط التدريب بالاقتصاد الوطني، فبهذه الطريقة، يمكننا تحويل التدريب إلى قوة فاعلة تكمّل التعليم العالي، وتخدم الشباب وسوق العمل معاً.

فهل يصبح التدريب المهني في سوريا جسراً حقيقياً يعبر عليه الخريجون إلى العمل؟ أم يبقى مجرد شعار جميل يردده الشباب وهم يطوون شهاداتهم بين أوراق الانتظار؟.

آخر الأخبار
إزالة "الفيميه" .. تعيد الجدل في شوارع حلب حين تفقد الكهرباء عقلها..معركة الطاقة تبدأ من الإدارة تمويل خليجي وخبرة روسية يعيد إحياء الطاقة في سوريا اتفاقيات الحبتور في سوريا نقلة نوعية نحو اقتصاد المستقبل معاون وزير الاقتصاد: وحدات تعبئة المياه تربح 20 مليار ليرة زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن.. بوابة لإعادة الإعمار والاستقرار الاقتصادي 70 بالمئة من زيوت السيارات مغشوشة إلغاء قانون قيصر.. بداية بناء المستقبل الاستثماري الصحة تفتح أبوابها لكفاءاتها و"منظمة الهجرة " شريك في العودة الشرع يلتقي الجالية السورية في واشنطن: ما الرسائل التي وجهها لمرحلة ما بعد التحرير؟ مساعدات إنسانية أردنية تصل إلى الأراضي السورية في خطوة تعكس تحولاً مفصلياً.. الرئيس الشرع يلتقي ترامب في البيت الأبيض رفع قانون قيصر بداية مرحلة جديدة بفرص استثمارية كبيرة توسع التعامل بالدولار.. هل هو خطوة مؤقتة أم خلل مستمر؟ افتتاح مركز السجل المدني في مدينة العشارة بدير الزور تراجع إنتاج فاكهة الشتاء يدخلها غرفة الإنعاش "المنزول" بحمص.. مشروعات جديدة نهاية العام التسوّل في طرطوس بين الحاجة والاحتيال توريد آليات للنظافة وتعبيد الطرق أعمال خدمية متوازية بريف دمشق إصلاح الكهرباء يبدأ من تحسين الخدمة وضبط الهدر