الثورة – نيفين أحمد :
التقى الرئيس أحمد الشرع خلال زيارته الرسمية إلى الولايات المتحدة الأميركية- أمس الأحد- عدداً من أبناء الجالية السورية في واشنطن بحضور وزير الخارجية أسعد الشيباني والمبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس باراك.
وأكد الشرع على أهمية دور السوريين في الخارج في نقل الصورة الحقيقية عن وطنهم والدفاع عن قضاياه معتبراً أنهم “سفراء سوريا في العالم وامتداد طبيعي لمسيرة التنمية التي بدأت في الداخل”.
عودة التواصل المباشر
إن اللقاء الذي عُقد في مقر البعثة الدبلوماسية السورية بواشنطن أثار اهتماماً واسعاً بين أفراد الجالية الذين شارك بعضهم منشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعد اللقاء.
الاجتماع وصف بأنه “مؤشر على عودة التواصل المباشر بين الدولة والمغتربين بعد سنوات من القطيعة”، حيث كتب حميد إمام، عن فحوى اللقاء ووصفه بأنه “اتسم بالعفوية والأريحية والإيجابية”.
حضر اللقاء عدد كبير تجاوز 750 شخصاً من مختلف الولايات تحدث الرئيس هذه المرة باللهجة العامية مبتعداً قليلاً عن الفصحى وأظهر روحاً فكاهية لافتة وقد تعامل مع المقاطعات بصدر رحب، ومازح الحضور من دون أي تذمّر.
وأكد اعتزازه بتاريخه قائلاً :إنه غير خجل منه رغم محاولات البعض الطعن فيه: “هدفي كان دائماً الدفاع عن المستضعفين في كل مكان”.
كما شدّد الرئيس السوري، على امتلاكه استراتيجية وطنية كبرى للنهوض بالبلاد، بعيداً عن سياسة “إطفاء الحرائق”.
وتطرق إلى خطط تحرير سوريا، موضحاً أنّ التحضير العسكري سبقته خطّة لوجستية لضمان استمرار الخدمات وحماية المدنيين قبل تحقيق النصر العسكري.
وسرد الرئيس الشرع، موقفاً مؤثّراً حين حضر معرض الكتاب في إدلب قبل التحرير بأربعة أشهر، حيث تخيّل دمشق كامرأة كبيرة توشك على السقوط، فقال لنفسه: “قفي يا دمشق فنحن اقتربنا لنمسك بيدك”.
كما تحدّث عن مسرحية شهدت في نهايتها تجسيداً رمزيّاً لـ”تحرير دمشق” وهو مشهد أثّر فيه رغم أن الممثل لم يكن يعلم ما كان يدور خلف الكواليس من تحضيرات.
وعن لحظة دخوله دمشق قال :إنها لحظة شاهدها في مخيلته مراراً حتى أصبحت حقيقة.
وبعد السجود شكر الله ثم توجّه إلى جبل قاسيون ليقول: “سلّمت عالشام”.
وتحدث عن نظريته السابقة في تعبئة المقاتلين وحالياً في تحفيز الشعب وهي رفع سقف الطاقة بنسبة 30-40% للوصول إلى أعلى درجات الإنتاج والعطاء في مختلف المجالات.
وشدد الرئيس الشرع، على ضرورة العمل غير المحدود من هذا الجيل لبناء سوريا الجديدة، قائلاً :إن ثمن صمت الأجيال السابقة كان مليون شهيد ولا خيار أمامنا سوى النجاح.
كما نظر الرئيس إلى عام 2026 باعتباره عام النهضة السريعة بعد التخلص من القيود الحالية، مؤكداً أن قيمة السلطة تأتي من كرامة الشعب.
الشرع يشرح دور سوريا القادم وفي معرض حديثه، أشاد الرئيس الشرع إلى أنه بدمشق مراراً وطلب التصفيق لحلب ،وتحدث عن بامية دير الزور، وشهامة أهل إدلب، ومعاركه في الحسكة والرقة وحماة ،وصموده في حمص.
كما أظهر انزعاجاً بسيطاً من بعض المديح المبالغ فيه، وقال لأحد الحضور إنه لا يحبّ هذه الأمور، مؤكداً ضرورة الابتعاد عن تمجيد الأشخاص وبناء علاقة صحية بين السلطة والشعب.
ورغم تعبه تجوّل بين الحاضرين والتقط صوراً مع الجميع من دون استثناء.
ثم تحدث وزير الخارجية، أسعد الشيباني، مؤكداً أن رفع العقوبات هو البداية فقط وأن أمام السوريين عملاً طويلاً ومتعباً لبناء البلاد.
وأضاف أن دول الجوار والدول الصديقة تعوّل على أن تلعب سوريا دوراً تاريخياً في الاستقرار والنهوض وأعلن عن زيارة مرتقبة إلى الصين.
وقال الشيباني: إن “سوريا تستحق مسؤولين يخدمونها بصدق وليس ممن شوّهوا سمعة العمل العام في النظام السابق”.
كما حضر اللقاء المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، وتحدث بكلمات قصيرة قال فيها: “أشبه سوريا بلوحة موزاييك تحتاج إلى مهندس.. واليوم وجدنا هذا المهندس واسمه أحمد الشرع”، وتابع: “العالم كله يغبطكم على ما وصلتم إليه”، ووصف الشعب السوري بالعربية بكلمة: “حنون”.
وطلب من السوريين الأميركيين الاستمرار في الضغط داخل الكونغرس حتى الإلغاء الكامل لقانون “قيصر” قائلاً: “قولوا لهم.. دعونا نكون كما نريد”.
دور الجالية في رفع العقوبات
الشرع دعا أبناء الجالية إلى أن يكونوا “صوت سوريا في الخارج”، مشيراً إلى أن جهود رفع العقوبات “لن تنجح من دون مشاركة السوريين المنتشرين حول العالم”، وفق ما جاء في تصريحات نقلتها وكالة “أسوشيتد برس” (AP).
ويرى مراقبون أن الجالية السورية في الغرب يمكن أن تلعب دوراً مؤثراً في الضغط على صانعي القرار الأميركي والأوروبي عبر بناء علاقات داخل المؤسسات والمنظمات المدنية والاقتصادية وتوضيح أثر العقوبات على الحياة اليومية للسوريين.
ويشير محللون إلى أن إشراك الجاليات في هذا الملف يمثل تحولاً في أدوات السياسة السورية الخارجية التي بدأت تعتمد على الدبلوماسية الناعمة والمبادرات المجتمعية بدلاً من الخطاب الرسمي وحده.
تاريخ الجالية السورية
تُعد الجالية السورية في الولايات المتحدة من أقدم الجاليات العربية هناك ،إذ بدأت موجات الهجرة السورية منذ أوائل القرن العشرين.
وبحسب تقرير صادر عن مركز التقدم الأميركي (American Progress) يبلغ عدد السوريين المقيمين في الولايات المتحدة نحو 90 ألف شخص، فيما تشير تقديرات أخرى إلى أن عدد الأميركيين من أصول سورية يتجاوز 180 ألفاً.
وتتركز الجالية في ولايات مثل كاليفورنيا ونيويورك وإلينوي وتضم رجال أعمال وأطباء ومهندسين وأكاديميين لعبوا أدواراً فاعلة في دعم اللاجئين السوريين خلال سنوات الأزمة.
ويرى مراقبون، أن هذه الجالية بما تملكه من خبرات وعلاقات اقتصادية ومهنية واسعة تمثل رصيداً استراتيجياً يمكن توظيفه في مرحلة إعادة الإعمار المقبلة، سواء عبر الاستثمار المباشر أو عبر بناء قنوات اقتصادية مع المؤسسات الأميركية.
ومع بقاء العقوبات سيفاً مسلطاً على الاقتصاد السوري تبدو الجالية اليوم أمام فرصة ومسؤولية مزدوجة الدفاع عن صورة وطنها في الخارج والمساهمة في إعادة بنائه من جديد.