ما علاقة زيارة الشرع لـ “البيت الأبيض” بإطلاق العملة السورية الجديدة؟

الثورة – فؤاد الوادي:

شكّل رفع العقوبات عن “سوريا الجديدة ” بداية مرحلة جديدة من التعافي الاقتصادي، بعد سنوات طويلة من القيود الاقتصادية التي كانت نتاجاً لسياسات ومشروعات النظام المخلوع، القيود التي كبلت الاقتصاد السوري، وحاصرته واستنزفته إلى حدود لم يسبق لها مثيل.

تحت هذا العنوان، كان اجتماع أمس الأحد، بين حاكم مصرف سوريا المركزي، عبدالقادر الحصرية، ووزير الإعلام حمزة المصطفى، وذلك في إطار التحضير لإطلاق حملة إعلامية شاملة بمناسبة قرب إصدار العملة الوطنية الجديدة، بما يضمن إيصال الرسائل التوعوية إلى مختلف شرائح المجتمع، وتعزيز الثقة بالسياسات النقدية الجديدة.

عملة جديدة

منذ الأسابيع الأولى التي أعقبت انتصار الثورة وتحرير سوريا، سارعت الكثير من الدول الغربية إلى الإعلان عن البدء بإلغاء العقوبات عن دمشق، فيما أرسلت دول أخرى، من بينها الولايات المتحدة إشارات إيجابية إلى الدولة السورية بانتهاء عهد العقوبات والقيود المفروضة على النظام المخلوع، وصولاً إلى رفعها بالكامل تقريباً، بالتزامن مع الجهود والخطوات الاستثنائية التي قامت بها الحكومة في مختلف المجالات وعلى كل الصعد.

هذا الأمر وضع سوريا على بدايات انفتاح اقتصادي واسع وكبير يتطلب نهجاً وسياسات اقتصادية واستثمارية مختلفة تحاكي الواقع الاقتصادي الجديد، وتلبي احتياجاته ومقوماته بشكل متسارع يوازي حاجات ومتطلبات النهوض والتعافي.

ضمن هذا السياق، يمكن الربط بين زيارة الرئيس الشرع إلى الولايات المتحدة، وقرب إصدار العملة الوطنية الجديدة، إذ يتوقع أن يتم خلال الزيارة طي صفحة العقوبات بشكل نهائي، وفتح صفحة جديدة في عملية النهوض والتنمية الاقتصادية الشاملة، بما يوازي ويحاكي عملية إصدار العملة الوطنية الجديدة، التي تعكس في أبعادها رؤية وطنية للتحرر من جهة من أثقال وأعباء وصورة الماضي البغيض، ومن جهة أخرى خطوة على طريق الإصلاح الاقتصادي التي تتطلب قرارات وأرضية اقتصادية جديدة تساعد على تسريع عملية النهوض والتنمية.

اجتماع الحصرية والمصطفى، تم التأكيد فيه أهمية التكامل بين الإعلام والمؤسسات المالية في دعم الخطط الاقتصادية، وضرورة توظيف وسائل الإعلام الوطنية لنشر المعلومات الدقيقة حول الإصدار الجديد، وتوضيح أهدافه وانعكاساته الإيجابية على الاقتصاد وقد أدت سياسات النظام البائد، في ظل الحصار الاقتصادي إلى انهيار العملة السورية بشكل تدريجي، ومنذ العام 2011 تاريخ بدء الثورة السورية.

انطلاقة قوية

يؤكد خبراء اقتصاديون لصحيفة “الثورة”، أن رفع العقوبات عن سوريا، وإصدار عملة وطنية جديدة، من شأنه أن يسهم كثيراً في جذب المستثمرين وتبديد مخاوفهم وهواجسهم، وكذلك تنشيط الأسواق وحركة البيع والشراء، كما أن من شأن هذه الخطوة أن تشكل انطلاقة قوية لحركة الاستيراد المباشر إلى سوريا، بما يعزز انسيابية التوريدات ويؤمن حاجة السوق المحلية من المواد الأساسية.

ويشير الخبراء، إلى أن إزالة العقوبات عن سوريا تمثل نقلة نوعية وقوية لإعادة حركة البنوك مع سوريا وتنشيط الاستثمارات عبر القنوات الرسمية، كما أنها ستقدم للتجار والشركات أساساً قانونياً للتعامل عبر القنوات الشرعية، الأمر الذي سوف يحد بشكل كبير من الاعتماد على السوق السوداء التي طالما كانت منفذاً للتعاملات المالية في ظل القيود والعقوبات، وهذا بدوره سيعزز الثقة بالاقتصاد السوري بشكل ملحوظ ويقلل من مخاوف المستثمرين الكبار.

وهذا ما أكده أمس عبد القادر الحصرية، حاكم مصرف سوريا المركزي، بقوله: إن “زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى البيت الأبيض تمثل “حدثاً تاريخياً”، واصفاً إياها بأنها بداية حقبة اقتصادية ومالية جديدة في البلاد، موضحاً أن نظام “سويفت” أصبح الآن فاعلاً، وسيتم تفعيله تدريجياً خلال الفترة المقبلة بالتنسيق مع البنوك الأخرى”، وأشار إلى أن العقوبات المفروضة على سوريا قد أُزيلت بالكامل، باستثناء “قانون قيصر” الذي سيُعرض للتصويت قريباً.

وبيّن الحصرية، أن قانون “قيصر” يشكل عقبة كبيرة ويثير المخاوف لدى المستثمرين الدوليين، ومع ذلك، لفت إلى أن البلاد تتجه نحو مرحلة من “انفتاح اقتصادي ومالي” مع الولايات المتحدة، وأكد في الوقت نفسه أنه “لا يوجد أي انكشاف مباشر على المصارف اللبنانية”، وأن المصرف المركزي لا يعتزم استثمار احتياطي الذهب، بل يسعى إلى زيادته، في حين أن “رؤية 2030” تستهدف إنشاء 30 مصرفاً في سوريا، مع تحقيق انضباط مالي “لأول مرة منذ سبعين عاماً”.

تسلسل انهيار الليرة السورية

شهدت الليرة السورية تحولات جذرية في قيمتها أمام الدولار الأميركي منذ بداية الثورة السورية، وحتى سقوط النظام البائد نهاية العام الماضي، وظهر ذلك التراجع بشكل تدريجي بحلول عام 2012، حيث تراجع سعر الصرف إلى نحو 65-70 ليرة للدولار، بعدما كان مستقراً بحدود 50 ليرة للدولار.

لكن ومع تزايد الضغوطات الاقتصادية وبدء فرض العقوبات الغربية على نظام الأسد المخلوع، بدأت الليرة السورية تشهد انهياراً حاداً نتيجة ارتفاع وتيرة الحرب والعقوبات الدولية وفقدان سيطرة النظام البائد على عدة مناطق غنية بالموارد.

ومع تقلص إنتاج النفط وتوقف الصادرات تقريباً، تراجع سعر صرف الليرة ليصل إلى نحو 150-180 ليرة للدولار بحلول عام 2013، ليتراجع في العام 2014، إلى حوالي 200-220 ليرة للدولار.

ومع فقدان النظام المخلوع السيطرة على معظم حقول النفط في الشمال الشرقي، بلغ سعر الصرف في 2016 نحو 500 ليرة سورية للدولار، وهو مستوى متدن قياسي حينها، لكن عام 2019 شكل نقطة تحول صعبة لليرة السورية، حيث أدى الانهيار المالي في لبنان إلى تفاقم أزمة السيولة في سوريا؛ فقد اعتمد العديد من التجار السوريين على القطاع المصرفي اللبناني لتمويل أنشطتهم، ومع انهيار السيولة النقدية المقومة بالدولار الأميركي لدى العديد من البنوك اللبنانية، انخفضت تدفقات النقد الأجنبي إلى سوريا، ووصل سعر الصرف في نهاية 2019 إلى نحو 900-1000 ليرة للدولار.

وفي منتصف 2020، دخل قانون “قيصر” الأميركي حيز التنفيذ مما فرض عقوبات مشددة على الاقتصاد السوري.

وتسبب هذا القانون في انهيار إضافي للعملة، حيث تجاوز سعر الصرف عتبة 3 آلاف ليرة للدولار لأول مرة في التاريخ.

استمرت الليرة السورية في مسارها التراجعي خلال عامي 2021 و2022، مع غياب أي حلول اقتصادية جذرية وارتفاع الاعتماد على المساعدات الخارجية؛ ففي 2021، وصل سعر الصرف إلى حدود 3500-4000 ليرة للدولار.

أما عام 2022، فقد وصلت الليرة السورية إلى مستوى 4500-5000 ليرة للدولار بنهاية العام، وفي عام 2023، وصلت الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق بسبب تفاقم الأزمات الداخلية للنظام البائد وتراجع الدعم الخارجي، حيث تراوح سعر الصرف بين 6 آلاف و7 آلاف ليرة للدولار، لكن في النصف الثاني من العام شهد انهياراً حاداً ليصل إلى نحو 13 ألف ليرة للدولار في السوق السوداء مع نهاية العام.

وفي العام 2024 بلغ سعر صرف الليرة مستوى متدنياً جديداً وصل إلى 16 ألفاً أمام الدولار، لكن مع انهيار النظام البائد، بدأت الليرة تستعيد جزءاً من عافيتها لتسجل مستويات مقبولة مقارنة مع الأعوام الماضية.

أصول سورية مجمدة في ظلّ غياب أرقام دقيقة عن مجموع الأموال السورية المجمدة في الخارج، إلا أنه وبحسب بعض التقارير، فإن العديد من دول العالم لا تزال تحتفظ بأموال سورية مجمّدة، منها سويسرا التي تحتفظ حالياً بحوالي 99 مليون فرنك سويسري (حوالي 112 مليون دولار أميركي)، والمملكة المتحدة التي تحتفظ بأصول سورية مجمدة تقدر بحوالي 163.2 مليون جنيه إسترليني، وهو ما يعادل تقريباً 200 مليون دولار. وهناك تقارير تشير إلى أن ألمانيا تحتفظ أيضاً بأموال سورية مجمدة، لكن التفاصيل الدقيقة حول المبالغ غير متاحة بشكل واسع.

كما أن النمسا عملت على تجميد الأصول السورية كجزء من العقوبات الأوروبية.

كما تحتفظ فرنسا وإيطاليا أيضاً بأموال سورية مجمدة، ولكن التفاصيل حول هذه الأصول ليست واضحة.

كما قامت تركيا أيضاً بتجميد أصول الحكومة السورية، لكن المعلومات الدقيقة حول قيمة هذه الأصول غير متوفرة بشكل واسع، وهناك تقارير تشير إلى أن بعض الدول العربية مثل مصر والأردن تحتفظ بأموال سورية مجمدة، فيما يُعتقد أن الأموال المجمدة في لبنان تتراوح بين 20 إلى 50 مليار دولار.

العملة السورية الجديدة

في وقت سابق، كشف حاكم مصرف سوريا المركزي أن العملة السورية الجديدة ستصدر بست فئات وستكون خالية من الصور والرموز، لتكون أكثر وضوحاً وسهولة في التحقق منها، ومنسجمة مع الاتجاه العالمي نحو التصميم النظيف والمجرد، وأنها ستصدر بفئات مختلفة لتلبية احتياجات التداول اليومية بكفاءة أكبر، وستتراوح هذه الفئات بين الصغيرة والمتوسطة والكبيرة لضمان سهولة التعامل النقدي في الأسواق.

وأوضح الحصرية، أن مصرف سوريا المركزي سيعلن عن تفاصيل كلّ فئة من حيث القيمة والحجم والتصميم في الوقت المناسب، وذلك بعد استكمال الإجراءات الفنية والأمنية الخاصة بالطباعة والإصدار.

فيما يراهن حاكم مصرف سوريا المركزي، على أن إطلاق العملة الجديدة ستواكب إجراءات مدروسة من قبل المركزي السوري، لضبط السيولة والحفاظ على استقرار الأسعار، تشمل مراقبة السوق النقدية، وضبط حركة الكتلة النقدية المتداولة، وتفعيل أدوات السياسة النقدية لضمان عدم حدوث تضخم أو مضاربات نتيجة طرح الفئات الجديدة.

وقال الحصرية: إن “إطلاق العملة السورية الجديدة سيسهم في معالجة جانب من مشكلة نقص السيولة، وخصوصاً من خلال استبدال الأوراق التالفة، وضخ أوراق نقدية حديثة أكثر جودة وتحملاً”.

آخر الأخبار
ماذا تعني الاتفاقية الأمنية الجديدة بين سوريا وإسرائيل؟ لماذا يترقب لبنان نتائج زيارة الرئيس الشرع إلى "البيت الأبيض"؟ "تجارة حلب" تبحث تحديات قطاع المواد الكيماوية للأدوية ومواد التجميل بعد ارتفاع تعرفة الكهرباء.. المنتج المحلي عاجز عن منافسة المستورد ازدحام السيارات يهدد هوية دمشق القديمة ويقضم ذاكرة المكان فوضى ارتفاع الأسعار مستمرة.. حبزه: التجار يسعرون عبر الواتس آب مستشفى جبلة الوطني.. خدمات مستمرة على الرغم من الصعوبات "مغارة جوعيت" جمال فريد لم يلتفت إليه أحد! الرئيس الشرع يلتقي ترامب في "البيت الأبيض" في هذا التوقيت.. تفاصيل اللقاء ما علاقة زيارة الشرع لـ "البيت الأبيض" بإطلاق العملة السورية الجديدة؟ الزراعة في حلب.. تحديات الواقع وآفاق الاستثمار الواعد الشرع وفيدان في واشنطن.. زيارة ثنائية متزامنة بنفس التوقيت إزالة "الفيميه" .. تعيد الجدل في شوارع حلب حين تفقد الكهرباء عقلها..معركة الطاقة تبدأ من الإدارة تمويل خليجي وخبرة روسية يعيد إحياء الطاقة في سوريا اتفاقيات الحبتور في سوريا نقلة نوعية نحو اقتصاد المستقبل معاون وزير الاقتصاد: وحدات تعبئة المياه تربح 20 مليار ليرة زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن.. بوابة لإعادة الإعمار والاستقرار الاقتصادي 70 بالمئة من زيوت السيارات مغشوشة إلغاء قانون قيصر.. بداية بناء المستقبل الاستثماري