الثورة – جهاد اصطيف:
تشكل محافظة حلب إحدى أهم الركائز الزراعية في سوريا، إذ تمتلك تنوعاً مناخياً وطبيعة خصبة تمتد على أربع مناطق استقرار زراعي، ما يجعلها بيئة مثالية لمختلف أنواع الزراعات النباتية والحيوانية.
وفي ظل انفتاح البلاد على مرحلة جديدة من التنمية والاستثمار، يبرز القطاع الزراعي كأحد أهم القطاعات الواعدة لتحقيق الأمن الغذائي، وتوفير فرص العمل، ودعم الاقتصاد الوطني.
حول واقع هذا القطاع، وأبرز التحديات التي تواجهه، كان لصحيفة الثورة لقاء مع مدير الزراعة في حلب المهندس فراس محمد سعيد، الذي تحدث مطولاً عن واقع المديرية، والخطة الزراعية الجديدة، ودور المؤسسات والمنظمات، إضافة إلى واقع الثروة الحيوانية والنباتية، والمشاريع الاستثمارية المستقبلية في الريف الحلبي.
قطاع واعد

يؤكد المهندس سعيد أن البلد مقبلة على انفتاح اقتصادي، والقطاع الزراعي من القطاعات الواعدة، آملاً من المستثمرين والمزارعين أن يبادروا إلى الاستثمار في هذا المجال الحيوي، لما له من دور أساسي في تحقيق الأمن الغذائي للمحافظة والقطر بشكل عام.
ويشرح أن مديرية الزراعة تضم القسمين الحيواني والنباتي، يشمل القسم الحيواني دائرة الصحة الحيوانية والخيول، فيما تضم الثروة النباتية قسم الإنتاج النباتي وقسم الوقاية، وتتبع للمديرية دوائر في عشر مناطق ريفية، يتبع لكل منها نحو 200 وحدة إرشادية موزعة على الريف، بالإضافة إلى مراكز صحية بيطرية منتشرة في أغلب تلك المناطق.
كما تضم المديرية دوائر أخرى داعمة، مثل الدائرة الإدارية، ودائرة المعلوماتية، ودائرة الخدمات المشتركة، التي تعنى بتخديم بقية الدوائر والإشراف على تلبية احتياجاتها.
معضلة مستمرة
من أبرز التحديات التي تواجه القطاع الزراعي – حسب سعيد – نقص الكوادر، إذ أن عدد العاملين في المديرية قبل عام 2010 كان يتجاوز 4000 موظف، بينما لا يتجاوز اليوم 740 موظفاً فقط، رغم ازدياد الحاجة الفعلية إلى نحو 8000 موظف.
وبالرغم من ذلك، يؤكد سعيد أن المديرية تمتلك كوادر وخبرات فنية جيدة جداً، إلا أن النقص في الكادر، ولا سيما البيطريين والفنيين، لا يزال من أبرز التحديات.
وتحاول المديرية التغلب على هذا النقص من خلال كوادرها الحالية، وتكثيف العمل الميداني والإشراف المباشر على الأنشطة الزراعية في المناطق الريفية.
للمنظمات دور مهم
المنظمات الدولية والمحلية تساهم بدور مهم، -وفق سعيد- سواء في إعداد الدراسات أو تنفيذ المشاريع، إذ تساعد في تأهيل البنى التحتية وتأمين مستلزمات الإنتاج لسلاسل القيمة الزراعية، وهناك مساهمة حقيقية من منظمات عدة تعمل في المحافظة.
وفيما يتعلق بالتعاون مع المؤسسات الأخرى العاملة في القطاع الزراعي، أوضح أن هناك اجتماعاً دورياً شهرياً للأسرة الزراعية في المحافظة، يتم خلاله التنسيق في جميع القضايا المتعلقة بالقطاع، بحضور مديري المؤسسات ذات الصلة مثل مؤسسة الأعلاف، والبحوث الزراعية، ومكتب القطن، وإكثار البذار، وأملاك الدولة، وغيرها، وذلك بإشراف المحافظة لتوحيد الجهود وتنسيق العمل الزراعي في حلب.
استراتيجية وخطة شاملة

يشير سعيد إلى أن الخطط الزراعية في السابق كانت محدودة وتشمل مناطق معينة فقط، وكانت مناطق أخرى مغيبة.
أما اليوم، فقد تم إعداد استراتيجية وخطة زراعية جديدة بالتعاون مع وزارات الري والاقتصاد والزراعة، وقد انتهت اللجان المختصة من وضعها، ومن المتوقع اعتمادها على مستوى القطر خلال الأيام القليلة القادمة، لتشمل محافظة حلب ضمن خطة وطنية شاملة.
وفيما يخص دور القطاع الخاص، لفت مدير الزراعة إلى أن دوره يقتصر حالياً على الاستثمار المباشر، بينما يقتصر دور المديرية على الرقابة والإشراف من دون وجود تشاركية حقيقية.
هذه الرقابة تتم عبر لجان الضابطة العدلية ولجان الكشف والتراخيص التي تضبط عمل المستثمرين وتشرف عليه، وهو الدور المنوط بالمؤسسات الحكومية حالياً في ظل غياب إطار تشاركي واضح مع القطاع الخاص.
وضع الثروة الحيوانية جيد
عن واقع الثروة الحيوانية في محافظة حلب، نوه سعيد بأن وضعها جيد إجمالاً، إذ يوجد في المحافظة نحو 71572 ألف رأس بقر، وأكثر من 2816194 رأس غنم، ولا تزال الأرقام الإحصائية غير مكتملة بشكل دقيق، لكن المتابعة مستمرة من قبل الدوائر المختصة.
وبيّن أن مؤسسة الدواجن تتبع بشكل مباشر لوزير الزراعة، وليست من اختصاص مديرية الزراعة، إلا أنه تم طرح منشأة دواجن الزربة الوحيدة في حلب للاستثمار، وقد تم تنظيم العقود الخاصة بها واستثمارها، علماً أنه يوجد بالمحافظة أكثر من 700 مدينة فروج وأكثر من 125 مدجنة فروج بياضة، كما أن المؤسسة العامة للمباقر طرحت منشأتها الوحيدة المتبقية للاستثمار، رغم وجود بعض الصعوبات في الوصول إليها.
الزراعة المائية
فيما يتعلق بالزراعة المائية، أكد سعيد أنه لا توجد حالياً أي تجربة فعالة لهذه الزراعة في محافظة حلب، مشيراً إلى وجود تجربة سابقة في منطقة جنديرس، لكنها متوقفة حالياً، وقد تمت مخاطبة منظمة “وطن” بخصوص المشروع، وفي حال لم يفعل، فسيتم العمل على استثماره من قبل الحكومة.
أما بالنسبة للأعشاب الطبية، فهي تندرج ضمن المحاصيل العطرية، مثل حبة البركة واليانسون وغيرها، وتزرع في بعض المناطق بمساحات محدودة، ووضعها جيد.
تحديات الواقع الزراعي
وفي الحديث عن أبرز المشكلات التي تواجه الزراعة في المحافظة، أكد سعيد أن أهمها نقص المياه والجفاف. فبعد التحرير توسعت المساحات الزراعية المتاحة، ما أدى إلى مضاعفة التحديات، وأشار إلى أن موجة الجفاف الأخيرة تسببت بخروج معظم الأراضي البعلية من الإنتاج بنسبة وصلت إلى 99 بالمئة.
أما مشاريع الري الحكومية، فقد توقف حوالي 30 بالمئة منها بسبب سيطرة “قسد” على المضخات التي تضخ المياه لمحطة البابيري، ما أدى إلى تأخر الري حتى الشهر الخامس من الموسم الماضي، وتضرر القمح المروي بنسبة لا تقل عن 40 بالمئة.
ولفت إلى أن الجفاف أدى إلى انخفاض منسوب المياه في العديد من الآبار، وأجبر الفلاحين على زيادة عدد الريات من مرتين إلى خمس أو ست مرات، ما رفع التكاليف بشكل كبير وأثر على المردود، وتعرض معظم المزارعين للخسارة.
وبناءً على ذلك، تم تشكيل لجنة إدارة الكوارث بقرار من المحافظ، وجرى تأجيل القروض المستحقة للمصرف الزراعي والمتعلقة بالبذار والأسمدة، وجدولتها للأعوام القادمة تخفيفاً عن الفلاحين.
دعم الفلاحين
مدير الزراعة أوضح أن المديرية تسعى قدر الإمكان إلى تسهيل أمور الفلاحين والمزارعين، عبر تقديم الدعم الفني والإرشادي، وتأمين مستلزمات الإنتاج الأساسية من بذار وأسمدة عن طريق القروض الحكومية، أو من خلال توجيه المنظمات الإنسانية لدعم المزارعين بشكل مباشر، سواء بوسائل عينية أو نقدية.
كما تقدم المديرية دورات تدريبية ودعماً فنياً ولوجستياً للفلاحين لتمكينهم من تحسين إنتاجهم والتعامل مع ظروف الجفاف.
أملاكها مستثمرة
عن أملاك مديرية الزراعة، أكد سعيد أن جميعها يتم استثمارها بشكل كامل، باستثناء بعض المراكز الزراعية التي توقفت عن العمل، وهي عبارة عن مشاتل زراعية، وقد تم رفع طلب للوزارة للسماح باستثمارها.
أما الأراضي التي تتبع لدائرة أملاك الدولة، فهي المعنية باستثمار جميع الأراضي التي تعود إلى مختلف الوزارات، ومن ضمنها أراض مخصصة، لم يتم استثمارها بعد من قبل الجهات المعنية.
رؤية لتحقيق الأمن الغذائي

وطمأن المهندس سعيد بأنه لا خوف على محافظة حلب من الناحية الزراعية، لأنها تضم أنواع الزراعات كافة، وتمتد على أربع مناطق استقرار، ما يمنحها تنوعاً كبيراً في الإنتاجين النباتي والحيواني.
وأضاف: إن الهدف الأساسي هو أن تكون حلب سلة سوريا الزراعية، من خلال تنويع المحاصيل والمنتجات، مشيراً إلى أن الخطة الزراعية الجديدة تراعي هذا التنوع، حيث تبلغ الخطة للمروي نحو 169128 هكتاراً، والبعلي نحو 688701 هكتار، وأن طموح المحافظة هو تحقيق الاكتفاء الذاتي ثم الفائض للتصدير بحلول عام 2026.
وبين أن الجفاف هو العائق الأبرز أمام تحقيق هذا الهدف، داعياً المزارعين إلى ترشيد استخدام المياه، وتجنب الحفر العشوائي للآبار، واللجوء إلى الجهات الإرشادية للحصول على المعلومات والدعم الفني واللوجستي اللازم.
ويختم مدير الزراعة في حلب حديثه بالتأكيد على أن الزراعة في المحافظة رغم ما مرت به من صعوبات، ما زالت قادرة على النهوض من جديد بفضل جهود الفلاحين ودعم الدولة والمنظمات، وبأن حلب تمتلك كل المقومات لتكون المرتكز الزراعي الأهم في سوريا، من حيث المساحة، التنوع، والإنتاج، لتعود كما كانت الرافد الأكبر للأمن الغذائي الوطني.