حين تفقد الكهرباء عقلها..معركة الطاقة تبدأ من الإدارة

الثورة- ناديا سعود

حين تذكر كلمة “الطاقة”، يتبادر إلى الذهن فوراً مفهوم الإنتاج: محطّات توليد، شبكات، ومصادر جديدة، لكن عضو لجنة الاستثمار في نقابة المهندسين ومستشار النقابة المهندس أيمن فرستقي يرى أن المعركة الحقيقية ليست في توليد الطاقة بل في إدارتها، فكما يقول: نحن بحاجة إلى توليد الطاقة وتنويع مصادرها، لكننا لا نملك عقلاً يديرها… وهنا تبدأ المشكلة.
يرى فرستقي أن الخطأ الجوهري يكمن في اختزال الحلول بمشاريع توليد جديدة، في حين أن الهدر اليوم يبتلع نصف ما ننتجه قبل أن يصل إلى المستهلك، يمكن أن تمتلك أفضل محطات التوليد في العالم، ولكن دون إدارة ذكية للطاقة ستنزف نصف ما تنتجه، يؤكد العالم كله يتجه نحو مفهوم إدارة الطاقة (Energy Management)، وفق معايير ISO 50001 التي تبيّن أن الإدارة الذكية يمكن أن تخفّض الاستهلاك بنسبة 20-30 بالمائة في المنشآت الكبيرة قبل إضافة أي كيلو واط جديد.

الإدارة القلب الحقيقي

يقول فرستقي: مهما أنشأنا محطات توليد جديدة أو أضفنا مصادر متجددة، فبدون إدارة ذكية للطاقة سنظل ندور في نفس الحلقة.
فالهدر لا يحدث فقط في الاستهلاك النهائي، بل في غياب الرصد، والرقابة، والتحليل الفوري.

وهنا يأتي دور نظام EMS – Energy Management System الذي يصفه فرستقي بأنه :”العقل الذي نحتاجه قبل أي عضلات إنتاج”.

الهدر المستتر

من الأبراج التجارية إلى المصانع والفنادق، يؤكد فرستقي أن كلّ منشأة كبيرة تهدر طاقة بلا مبرر:أنظمة تكييف تعمل بأقصى طاقتها رغم أن 40% من المساحة غير مستخدمة، ومضخات تعمل لخطوط متوقفة، وفنادق تشغّل التبريد رغم انخفاض الإشغال.

ويستشهد بتقارير الوكالة الدولية للطاقة (IEA) التي تشير إلى أن المباني وحدها مسؤولة عن أكثر من 30 بالمائة من الهدر الكهربائي العالمي الناتج عن سوء الإدارة.

تخيل لو خفضنا هذا الهدر بنسبة 20 بالمائة فقط، سنوفر ما يعادل إنتاج محطّة توليد كاملة.

التوعية وحدها لا تكفي

يقول المهندس فرستقي بوضوح: العالم لم يتقدّم عبر الندوات، بل عبر القوانين الملزمة، فكما ألزمت الدول المصانع بمعايير السلامة، آن الأوان لإلزام المنشآت الكبرى بتطبيق أنظمة إدارة الطاقة الذكية.

ويقترح إصدار تشريع وطني يطبّق على الأبراج التجارية، المصانع، الفنادق، المولات، والمؤسسات الحكومية، يتضمن:إلزام المنشآت بتركيب نظام EMS للمراقبة الفورية للطاقة،إصدار تقارير شهرية عن الاستهلاك والفاقد، و وضع خطّة خفض سنوية ملزمة،إنشاء لجنة رقابية وطنية للطاقة، فرض غرامات على المهدِرين وتقديم حوافز للملتزمين.

ويشير إلى أن الاتحاد الأوروبي سبقنا بذلك من خلال برامج مثل EPBD التي تلزم المباني الكبيرة باستخدام أنظمة تحكم ذكية للطاقة.

هل الإدارة الذكية مكلفة؟ الأرقام تجيب، يبتسم فرستقي ويقول: كلفة تطبيق نظام إدارة الطاقة لأي منشأة تعادل استهلاك بضعة أشهر فقط من الهدر الحالي، النظام يسدّد كلفته خلال 6 إلى 12 شهراً، وبعدها يصبح التوفير صافياً ومباشراً.

هذا ليس رفاهية، بل ضرورة اقتصادية.

لا توجد منشأة صناعية أو تجارية في العالم اليوم تستطيع الاستمرار دون إدارة للطاقة.
يؤكد فرستقي أن فرض تطبيق أنظمة EMS على مستوى الدولة سيحدث تحولاً وطنياً واسعاً: خفض الاستهلاك الوطني بنسبة 15-25 بالمائة ، حماية الشبكة الكهربائية من الانهيار، تقليل الانبعاثات وتحسين جودة الهواء، توفير ملايين الدولارات سنوياً من الهدر، رفع كفاءة القطاعات الصناعية والسياحية والتجارية، و الأهم أننا سننتقل من إدارة الاستهلاك إلى إدارة المستقبل.

ذكاء اصطناعي يدير الطاقة

يوضح فرستقي أن شركته طوّرت برنامجاً يعتمد على الذكاء الاصطناعي وفق معايير ISO 50001 لتحليل الطاقة لحظة بلحظة، يقوم بـ: جمع البيانات من كل أنظمة المنشأة،تحليل الاستهلاك بخوارزميات تعلم الآلة، التنبؤ بالأعطال قبل وقوعها،اكتشاف الاستخدام غير الطبيعي للطاقة وإرسال تنبيهات فورية، تقديم حلول مباشرة لخفض الاستهلاك والمراقبة عن بُعد على مدار الساعة.البرنامج لا يكتفي بعرض الأرقام، بل يفهمها ويتنبأ بما سيحدث قبل وقوعه، هذه هي الثورة القادمة: إنتاج + إدارة + ذكاء اصطناعي.

يختم المهندس فرستقي حديثه برؤية وطنية عميقة:الطاقة لم تعد مجرد خدمة، بل أمن قومي.

إذا لم ننتقل من مرحلة الاستهلاك العشوائي إلى الإدارة الذكية، سنظل ندفع ثمن الهدرعاماً بعد عام.

ويضيف: تعلمنا كيف ننتج الطاقة، لكن لم نتعلم بعد كيف نديرها، المستقبل لن يكون لمن يملك مصادر الطاقة، بل لمن يملك القدرة على إدارتها وتحسين كفاءتها.

فالإدارة الذكية اليوم لم تعد ترفاً… إنها الخط الفاصل بين بلد يعيش، وبلد يتعب.

آخر الأخبار
"تجارة حلب" تبحث تحديات قطاع المواد الكيماوية للأدوية ومواد التجميل بعد ارتفاع تعرفة الكهرباء.. المنتج المحلي عاجز عن منافسة المستورد ازدحام السيارات يهدد هوية دمشق القديمة ويقضم ذاكرة المكان فوضى ارتفاع الأسعار مستمرة.. حبزه: التجار يسعرون عبر الواتس آب مستشفى جبلة الوطني.. خدمات مستمرة على الرغم من الصعوبات "مغارة جوعيت" جمال فريد لم يلتفت إليه أحد! الرئيس الشرع يلتقي ترامب في "البيت الأبيض" في هذا التوقيت.. تفاصيل اللقاء ما علاقة زيارة الشرع لـ "البيت الأبيض" بإطلاق العملة السورية الجديدة؟ الزراعة في حلب.. تحديات الواقع وآفاق الاستثمار الواعد الشرع وفيدان في واشنطن.. زيارة ثنائية متزامنة بنفس التوقيت إزالة "الفيميه" .. تعيد الجدل في شوارع حلب حين تفقد الكهرباء عقلها..معركة الطاقة تبدأ من الإدارة تمويل خليجي وخبرة روسية يعيد إحياء الطاقة في سوريا اتفاقيات الحبتور في سوريا نقلة نوعية نحو اقتصاد المستقبل معاون وزير الاقتصاد: وحدات تعبئة المياه تربح 20 مليار ليرة زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن.. بوابة لإعادة الإعمار والاستقرار الاقتصادي 70 بالمئة من زيوت السيارات مغشوشة إلغاء قانون قيصر.. بداية بناء المستقبل الاستثماري الصحة تفتح أبوابها لكفاءاتها و"منظمة الهجرة " شريك في العودة الشرع يلتقي الجالية السورية في واشنطن: ما الرسائل التي وجهها لمرحلة ما بعد التحرير؟