الثورة – هبه علي:
في زمن تترسخ فيه مفاهيم “إنترنت الأشياء” وتتحول فيه منازلنا إلى شبكات متصلة بضغطة زر، أصبحنا نعيش ثورة هادئة من الراحة والتحكم؛ فالمساعدات الصوتية تستجيب لأوامرنا، والأقفال الذكية تفتح أبوابنا دون مفتاح، وكاميرات المراقبة توفر لنا “عيوناً” ساهرة عن بعد.

هذا التطور المذهل يحمل في طياته وجهه الآخر المظلم، إذ تتحول هذه الأدوات من مجرد وسائل للرفاهية والأمان إلى أجهزة تجسس محتملة على أصحابها، مهددة بذلك قدسية الخصوصية داخل جدراننا.
ولفهم هذه المعادلة المعقدة، التقت “الثورة” بالخبير في الحماية الرقمية، المهندس حسن محمد الحسين، الذي أكد أن المشكلة لا تقتصر على الأجهزة المخصصة للتجسس فحسب، بل تطال الأدوات الاعتيادية التي نستخدمها يومياً، فعلى سبيل المثال، روبوتات التنظيف الذكية، التي قد لا تحتوي على كاميرات بالضرورة، تقوم بجمع بيانات تفصيلية عن المنزل من خلال رسم خرائط دقيقة له ونقل إحداثياته وتفاصيله إلى الشركة المصنعة،هذه البيانات، رغم أنها تهدف لتحسين أداء الجهاز، قد تستغل بشكل يهدد الخصوصية.
كما أن بعض الطرازات المزودة بكاميرات وميكروفونات يمكن أن تتحول إلى “أجهزة تجسس غير قانونية إذا كان بإمكانها نقل الصوت والصور من المنزل إلى أصحابها لاسلكياً، كما نقلت “الجزيرة نت”، وهي مسألة تعتمد على الضوابط والاشتراطات التي تلزم صانعيها بوجود “إشارات صوتية أو مرئية تجعل عملية التسجيل معروفة للأطراف الأخرى”.
نقاط ضعف محتملة
ويوضح الحسين أن هذا القلق مبرر، فالأجهزة الذكية مثل أجهزة مراقبة الأطفال التي تستخدم على نطاق واسع “يمكن أن تخترق بسهولة من قبل المخترقين في حال عدم تأمينها، ما يتيح لهم تسجيل المحادثات وتتبع التحركات داخل المنزل أو حتى التحدث مباشرة مع الطفل أو الأفراد الموجودين” وفقاً لتحذيرات مجلس الأمن السيبراني.
ويتابع المهندس الحسين موضحاً خطورة التهاون في تأمين هذه الأدوات قائلاً: إن أي جهاز يضاف إلى الشبكة المنزلية يمثل نقطة ضعف محتملة يمكن أن يستغلها المهاجمون، وهذا الخطر يرتفع أكثر إذا تعرض الهاتف الذكي – الذي هو في الغالب أداة التحكم المركزية – للاختراق أو السرقة، أو تمكن شخص من التجسس على شبكة الإنترنت الخاصة بالمنزل.
إن 70بالمئة من أجهزة المنازل الذكية قد تكون “عرضة للاختراقات الإلكترونية”، ما يجعلها هدفاً مغرياً للمتسللين الذين لا يقتصر هدفهم على سرقة البيانات فحسب، بل يمتد إلى “التحكم عن بعد في هذه الأجهزة، بل وإلحاق أضرار جسدية بها”.
خط الدفاع الأول
وفي السياق ذاته، يحذر من إبقاء “المساعد الصوتي” في حالة التشغيل الدائم والاتصال التلقائي بالإنترنت دون التأكد من أمان الشبكة، مضيفاً: إن الأدوات التي تعمل بالصوت، مثل السماعات الذكية تتطلب تغييراً للكلمات الافتراضية مثل “OK Google” أو “Hey Alexa” إلى أي كلمة أخرى لا يعرفها إلا أفراد العائلة، ما يمنع الغرباء من استخدام النظام، وأن ترك كلمات المرور الافتراضية لأي جهاز هو بمثابة تركه دون حماية على الإطلاق، لأن أي شخص يملك الجهاز نفسه يمكنه الدخول على جهازك.
ويرى المهندس الحسين أن التوعية وتطبيق الإجراءات الوقائية هي خط الدفاع الأول، فـ “1.5 مليار هجوم إلكتروني على الأجهزة الذكية في جميع أنحاء العالم” رصد في النصف الأول من عام 2021 وحده، ما يؤكد أن القضية ليست مجرد قلق بسيط.
ويشدد على أن حماية المنزل الذكي تتطلب خطوات أساسية، مثل “استخدام كلمات مرور قوية”، و”تحديث أنظمة الأجهزة الذكية بشكل مستمر”، ويفضل أيضاً “فصل شبكة الإنترنت الخاصة بالأجهزة الذكية عن شبكة المنزل” الرئيسية لتقليل المخاطر.
في الختام، يظهر جلياً أن عصر المنازل الذكية يتطلب يقظة رقمية لا تقل أهمية عن اليقظة الجسدية؛ فالراحة التي توفرها لنا التكنولوجيا يجب ألّا تكون على حساب الخصوصية والأمان، وإلا تحول كل ركن ذكي في بيتنا إلى شاهد صامت ينقل تفاصيل حياتنا إلى المجهول.