الثورة – رولا عيسى :
بين الحقول التي استعادت خضرتها بعد مواسم من الغياب وفي زوايا القرى المدمّرة، يختبئ الموت في شكل قطعٍ معدنية صدئة، أو ألعابٍ صغيرة فقدت براءتها.

إنها المخلفات المتفجرة – الوجه الآخر للحرب الذي يواصل حصد الأرواح بصمتٍ، وهي خطرٌ لا يُرى بالعين المجردة، لكنه حاضرٌ في كل خطوة، يهدد المزارع حين يعود إلى أرضه، والطفل حين يلهو، والأسرة حين تحاول ترميم بيتها أو حياتها.
تقول رئيس مجلس أمناء مؤسسة حقولنا الخضراء الدكتورة زبيدة القبلان إن المخلفات المتفجرة عبءٌ إضافي على جسد الوطن الذي أنهكته سنوات الحرب، إذ لا يقتصر أثر هذه المخلفات على الأرواح فحسب، بل يمتد ليعيق إعادة الإعمار ويبطئ التعافي الاقتصادي والاجتماعي، ويثقل كاهل القرى والمزارعين الذين يعتمدون على أرضهم كمصدر رزقٍ وحياة.
وتشير لـ”الثورة” أنه في مواجهة هذا الخطر، تصبح المعرفة والوعي خط الدفاع الأول، فالمعركة اليوم لم تعد بالسلاح، بل بالمعلومة، بالتحذير، وبنشر ثقافة السلامة.
وتضيف: انطلاقاً من هذه المسؤولية، نظّمت مؤسسة حقولنا الخضراء بالتعاون مع المنتدى الاجتماعي وبدعمٍ من منظمة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام (UNMAS)، جلسة توعوية حملت عنوان “المخلفات المتفجرة… خطر ما بعد الحرب”.
وضمن هذا الاطار عقدت جلسة جمعت خبراء ومختصين وممثلين عن المجتمع المحلي، بهدف تعزيز ثقافة الحذر وتوسيع دوائر المعرفة، خصوصاً في المناطق التي شهدت مواجهات سابقة.

وتناولت الجلسة التعريف بأنواع المخلفات وأشكالها الخادعة، والمناطق التي يُحتمل وجودها فيها، إلى جانب استعراض الأبعاد النفسية والجسدية التي تخلّفها على الناجين وأسرهم، والطرق الآمنة للتصرف عند مصادفة أي جسمٍ مشبوه.
وفي كلمتها ، لفتت الدكتورة القبلان إلى “المعرفة هي سلاحنا الأقوى في مواجهة هذا الخطر”، مشيرة إلى أن مثل هذه اللقاءات ليست مجرد نشاطات توعوية، بل رسائل حياة ومقاومة مدنية ضد الموت الصامت.
التوعية.. طريق الأمان
من جانبها اعتبرت مسؤولة المنظمة غيد نادر أن المسؤولية لا تقتصر على المؤسسات والمنظمات، بل تمتد إلى كل بيت ومدرسة ووسيلة إعلام.
مشيرة إلى أن زرع ثقافة الحذر في أذهان الأطفال والمزارعين والطلاب، وتكرار الرسائل الوقائية بلغة بسيطة ومباشرة، يمثل خط الدفاع الأول ضد هذه الأخطار.
وتقول: كل لافتة تحذير تُنصب، وكل جلسة توعية تُعقد، وكل حكاية تُروى لطفل عن جسمٍ غريب لا يجب لمسه، هي في الحقيقة رصاصة نجاة جديدة تُطلق ضد الموت.
وتضيف: إن المخلفات المتفجرة ليست مجرد بقايا حرب، بل اختبار حقيقي لوعينا ومسؤوليتنا الجماعية، مشيرة إلى أهمية عودة أرضنا آمنة، وأطفالنا مطمئنين، ومجتمعنا قادراً على الحياة دون خوف.
من الزاوية القانونية، يشيرالخبير القانوني وسام سليمان إلى أن التعامل مع المخلفات المتفجرة لا يُعد مسؤولية المؤسسات وحدها، بل يدخل في إطار الالتزام الوطني بحماية الأرواح والممتلكات.
فالقانون السوري، بحسب الخبير سليمان، شأنه شأن الاتفاقيات الدولية، يعتبر أي إهمال في الإبلاغ عن أجسام مشبوهة أو نقلها أو العبث بها انتهاكاً يعرض الفاعل للمساءلة، نظراً لما يشكله من تهديد مباشر على السلامة العامة.
ويبين أنه كما تفرض القوانين الوطنية والدولية، وعلى رأسها اتفاقية أوتاوا لحظر الألغام، التزام الدول والمجتمعات بالمشاركة في جهود الإزالة والتوعية، بما في ذلك دعم ضحايا الألغام وتوفير العلاج وإعادة التأهيل لهم.
وينوه بأن نشر المعرفة حول هذه القوانين جزء أساسي من حماية المجتمع، لأنها تُحوّل الوعي الفردي إلى مسؤولية جماعية.