“طوفان في بلاد البعث” عندما تستشرف السينما المستقبل

فؤاد مسعد

بعد التحرير بات متاحاً أمام محبي السينما الوثائقية والتسجيلية، وخاصة تلك التي ترصد تفاصيل كان من الصعب الإشارة إليها أو الحديث عنها في العلن، أن يشاهدوا أفلاماً تحمل عمقها ودلالاتها، تكشف وتتنبأ وتستشرف المستقبل برؤاها وبما تبثه من أفكار مدعّمة بوثائق فيلمية وشهادات حية تبرز الواقع كما هو دون زيف أو تجميل.

من تلك الأفلام “طوفان في بلاد البعث” للمخرج عمر أميرلاي الذي كانت أغلب أفلامه ممنوعة فترة النظام البائد.

حيث دعت مبادرة “سينما الريف” بالتعاون مع بيت سوري للفنون لحضور الفيلم الذي تمّ إنتاجه عم 2003، وهي مبادرة تطوعية من مجتمع منطقة مصياف السينمائي، كما سبق ودعا لحضور الفيلم نفسه في وقت سابق نادي سينما ألبيرتو في جرمانا.

ينطلق الفيلم من مشهد صادم لقدم متشققة متسخة، دلالة على حال صاحبها، ولا نلبث أن نرى وجهه الكالح، إنه رجل مدقع الفقر والبؤس.

ليصل إلى مسامعنا صوت الراوي “المخرج” مشيراً إلى فيلمه الأول الذي تناول فيه سدّ الفرات أيضاً، ولكنه تحدث معتذراً عنه لأنه لمس نتائجه فيما بعد، عبر انهيار أحد السدود ومشيراً إلى التقرير الرسمي الذي نوه لتشقق سدين آخرين.

يتقاطع كلام الراوي عن وصفه لسد الفرات بأنه “مصدر بهجة حزب البعث”، مع مشاهد تُظهر مقدار قسوة الجفاف الذي نال من الأرض القريبة منه حيث تتجمع المياه في بحيرة كبيرة.

وفي رصده لكلام أحد سكان المنطقة يكشف عن التأثير الحقيقي للسد على القرى الممتدة على طول وادي الفرات، فقد تبدلت الحياة تماماً، حتى أن قرى طُمٍرت ودمرت البيوت، ودمرت معها الذكريات، واستُبدل النهر ببحيرة.

اختار المخرج من الواقع الجديد قرية تدعى “الماشي” ليحط رحاله فيها ويرصد ما يقوله سكانها، وبين وقت وآخر يظهر صوت بعيد لطلاب يرددون الشعارات الصباحية في مدارسهم، شعار طلائع البعث، في حين يظهر أحد الوجهاء وهو عضو في مجلس الشعب وهو يكيل المديح.

يحمل “طوفان في بلاد البعث” في مضمونه جرعة نقدية لاذع لآلية السلطة البعثية، وظهرت بشكل جلي من خلال مراقبة المخرج لما يُقال على لسان الشهود، لنكتشف أثر السلطة على الفرد والمجتمع، من خلال تتبع الفيلم للحياة اليومية ضمن مدرسة القرية التي تقع على ضفاف الفرات، وفيها يحكي أحدهم أن الطفل منذ الصف الأول يدخل “منظمة طلائع البعث”، وفي الاعدادية “اتحاد شبيبة الثورة” وفي المرحلة الجامعية “الاتحاد الوطني لطلبة سوريا”، ويشرف الحزب على جميع هذه المنظمات التي عليها تنشئة الأطفال ليصبحوا شباباً.

كانت كاميرا المخرج أشبه بمبضع الجراح، الذي ينجذب فوراً إلى مكان الألم مُظهراً الكامن داخله، فصاغت لغتها لتذهب بها بعيداً نحو العمق، بهذه الآلية ترك الحرية كاملة للمتحدثين بينما الواقع نراه بأم العين، لامسين كيف تكرس الأفكار والمفاهيم التي يُراد لها أن تترسخ، وجاء تكرار مشهد مياه البحيرة مع صوتها كتيمة أساسية وكأنها ابتلعت كل شيء لتتصدر الكادر وحدها على خلفية الأصوات الشهود.

“ابتلعت بحيرة الأسد النهر” يقول أحدهم بحرقة ليأتي الجواب في ربط السلطة بين هذا الإنجاز والقضية الفلسطينية، وتتالى المنجزات على لسان الطلاب الصغار التي يرددونها كببغاوات، ما يعكس في أحد أوجهه إدانة لآلية التعاطي والنتائج التي دفع ثمنها الناس.

اللافت التعامل الذكي للمخرج عمر أميرلاي في إدارة دفة الفيلم، حتى أنه لم يحتاج لينتقد أو يوجه أصابع الاتهام بشكل مباشر، وإنما أظهر التناقضات التي بات يعيشها المجتمع، والآثار المدمرة لسياسة “البعث” على مختلف الأصعدة بما فيها “الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والتراثي”.

آخر الأخبار
ماذا تعني الاتفاقية الأمنية الجديدة بين سوريا وإسرائيل؟ لماذا يترقب لبنان نتائج زيارة الرئيس الشرع إلى "البيت الأبيض"؟ "تجارة حلب" تبحث تحديات قطاع المواد الكيماوية للأدوية ومواد التجميل بعد ارتفاع تعرفة الكهرباء.. المنتج المحلي عاجز عن منافسة المستورد ازدحام السيارات يهدد هوية دمشق القديمة ويقضم ذاكرة المكان فوضى ارتفاع الأسعار مستمرة.. حبزه: التجار يسعرون عبر الواتس آب مستشفى جبلة الوطني.. خدمات مستمرة على الرغم من الصعوبات "مغارة جوعيت" جمال فريد لم يلتفت إليه أحد! الرئيس الشرع يلتقي ترامب في "البيت الأبيض" في هذا التوقيت.. تفاصيل اللقاء ما علاقة زيارة الشرع لـ "البيت الأبيض" بإطلاق العملة السورية الجديدة؟ الزراعة في حلب.. تحديات الواقع وآفاق الاستثمار الواعد الشرع وفيدان في واشنطن.. زيارة ثنائية متزامنة بنفس التوقيت إزالة "الفيميه" .. تعيد الجدل في شوارع حلب حين تفقد الكهرباء عقلها..معركة الطاقة تبدأ من الإدارة تمويل خليجي وخبرة روسية يعيد إحياء الطاقة في سوريا اتفاقيات الحبتور في سوريا نقلة نوعية نحو اقتصاد المستقبل معاون وزير الاقتصاد: وحدات تعبئة المياه تربح 20 مليار ليرة زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن.. بوابة لإعادة الإعمار والاستقرار الاقتصادي 70 بالمئة من زيوت السيارات مغشوشة إلغاء قانون قيصر.. بداية بناء المستقبل الاستثماري