الاحتيال والنصب عبر النت.. ممارسات خطيرة وخسائر فادحة !

الثورة: تحقيق – لمى يوسف:

انتشرت في السنوات الخمس الماضية حالات النصب والاحتيال عبر الإنترنت في العالم أجمع، تطورت مع التحديثات التكنولوجية، لكن التأثر ظهر في المجتمعات المتهالكة اقتصادياً، التي تسعى لتعيش حياة كريمة بعد أن أنهكتها الأعمال المتعبة بمردودها البسيط.

ارتبط التأثر في سوريا بمناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية التي رزحت تحت وطأة الحرب الطويلة.

اطلع السوريون على منصات متعددة للتداول في الأسواق المالية، وأخرى للألعاب التي تعتمد على مبدأ القمار، فكان كثير من السوريين هدفاً لمواقع شركات تحترف النصب والاحتيال.

ضمن إطار التوعية والتصويب، والحد من تأثير هذه المواقع، نفتح فسحة في تحقيقنا، لإيضاح طرق وأساليب وروابط عمليات الاحتيال وسرد ما تعرض له الكثيرون في السنوات الأخيرة، ونسف الأفكار والسلوكيات الغريبة التي تنتشر انتشار النار في الهشيم.

التداول

انجرّ الكثير من السوريين إلى التداول عبر منصات متعددة على الإنترنت، بعد أرباح بسيطة (كانت طعماً) دبّ الطمع في النفوس أكثر وأكثر، فتوالت الخسارات المدوية بين المتعاملين مع هذه المنصات، ومن المعروف أن التداول يستهدف المجتمعات ذات الاقتصاد المتهالك.

الشابة (هنادي. م) قالت لصحيفة الثورة: شجعتني قريبتي للمشاركة بالتداول على منصة محددة مع العديد من معارفي وأصدقائي، كان الربح في البداية بسيطاً، لكنه يؤمّن لقمة عيش جيدة، بعد أن وضعنا ثقتنا بتلك المنصة بدأت العروض المغرية لتوسيع فضاء الربح، أيام قليلة قامت بجمع مئات الملايين من أموال المتعاملين، واختفت، فقد تعرض الكثير من المواطنين للنصب، لأن التسويق هرمي، وحسب ما بينه الخبراء أنه نموذج احتيالي يعد المشاركين بالأرباح مقابل انضمام أشخاص جدد.

وأضافت: دفعت 1000 دولار بداية الانضمام واصطحبت صديقتي وأختها، كل واحدة منهما دفعت مثلي، زادت أرباحي، وكل إضافة سيتسع عدد المتعاملين وستزيد الأموال، لكن المؤلم أنه كان كلاماً فقط، لا أرباح بل خسائر فادحة.

ومن المعروف أن استيراد البضائع بكميات كبيرة متاح عبر الإنترنت، ومرغوب لدى أغلب المستوردين، وهو أمر يحتاج الجرأة والمغامرة من قبل من يعتمد عليه.

يقول السيد (عامر. إ): اعتدت متابعة العروض في موقع علي بابا العالمي للتسويق، لأن العديد من الشركات والمعامل تعرض منتجاتها بهدف التسويق الجيد عبر موقع معروف فهو ثقة لدى جميع المتعاملين، سعيت حينها لطلب شحنة للدواليب بعد الاتفاق مع إحدى الشركات المصنعة لإرسال شحنة مقابل دفع المبلغ الأولي كحوالة إلى تايلاند من بنك في تركيا.

لم يُستكمل الأمر، تبين أن عروض الشركة وهمية لأنها اختُرقت من قبل هكر بهدف النصب والاحتيال، ولم أتمكن من استرداد المبلغ وبذلك تعرضت للإفلاس نهائياً.

الجائزة الحلم

وصلت إلى “أحمد. م” رسالة عبر المسنجر تتضمن رابطاً بعد فتحه تبين وجوب إجراء خطوات متعددة للدخول إلى مسابقة الحلم، تابع بفضول لمعرفة إن كان الأمر حقيقياً، لتصله رسالة تؤكد أنه الفائز بجائزة ٢٥٠ ألف دولار، وتابع الأمر باهتمام، نظراً لحاجته الماسة للمال، لتتوالى الرسائل بحقيقة أن اسمه مدرج بين الفائزين ولا يمكن لأحد التصرف بربحه سوى صاحب العلاقة، عبر الدخول من رابط محدد وإن فشل عليه إدخال رقم هاتفه الشخصي لإرسال الرابط عبر الواتس، ليطلب منه إرسال صورة عن بطاقته الشخصية، ثم أوراق ثبوتية، عنوان منزله لإرسال الجائزة إليه عبر شركة معروفة للحوالات المالية الدولية.

ثم بدأ الابتزاز، باتصالات ورسائل متعددة طالبين منه تحويل مبلغ الى تركيا قبل الاستلام 8000 دولار شريطة أن يكتب أن المبلغ محول لصهره لغاية الهروب من أي مسؤولية!.

تساءل: لماذا لا يتم الحسم من الجائزة التي يفترض أنها بين أيديكم، ليأتي الرد أن القانون لا يسمح لهم بالحسم، يجب أن تصل الجائزة لصاحبها كاملة.

استدان بعد التأكيد أن الاستلام سيتم بعد يوم واحد من وصول الحوالة.

واستمرت بعدها الطلبات، مرة بحجة فك الحجز الذي فرضته تركيا على المبلغ، ومرة أجور شركة الحوالات 13000 دولار، واستمرت المساومات.

أرسلوا له فيديو تم توليده عبر الذكاء الاصطناعي للمسؤول عن هذه الجائزة وممولها يؤكد له أن الجائزة أصبحت في أحد البنوك الدولية في السعودية، لكنها ستتوقف حتى يتم دفع الضرائب.

أيضاً استدان ليرسل حوالة بقيمة 3000 دولار.

وحتى الآن لم يحصل على قرش واحد منهم، وهم مستمرون في حثه لاستكمال المبالغ بعد ثماني تحويلات استدانة، وقّع على سندات أمانة، وتستمر الاتصالات إلى أن تواصلت معه إحدى الأميرات – حسب ما يدعون – وشجعته للإسراع في دفع المبلغ ليحصل على الجائزة مباشرة، لكنه لا يملك فلساً ولن يتمكن من الاستدانة من أحد، ورغم أنه ندم لتحويله المبالغ، ما زال حلمه معلقاً على مشجب النصب والاحتيال.

الوعي الرقمي

دخلت المخاطر منازل السوريين عبر هواتفهم النقالة، دون معرفة كيفية إيقافها، الوعي الرقمي يحصن المتعاملين من الاحتيال والنصب.

في حديث مع مهندسة المعلوماتية “سمية قبلان”، الخبيرة في علوم الرقميات تقول: الوعي الرقمي درعك الأول ضد الاحتيال الإلكتروني في ظل التزايد المطرد لعمليات الاحتيال عبر الإنترنت، فقد بات من الضروري أن يُولي المستخدمون اهتماماً دقيقاً وجاداً بالتفاصيل التي قد تبدو بسيطة، لكنها في الحقيقة بوابات خطر حقيقية، فكثير من الرسائل والروابط التي تصلنا – حتى لو بدت رسمية أو أتت من أصدقاء مقربين – قد تكون في الحقيقة أدوات احتيال مُحكمة.

لا تثق تلقائياً بأي رابط أو رسالة، مهما بدا مصدرها موثوقاً، فقد يكون حساب صديقك مخترَقاً دون علمه، ويُستخدم لإرسال روابط ضارة، لذا، تحقق دائماً من دومين الرابط (Domain) قبل النقر عليه – مرر مؤشر الفأرة (الماوس) فوق الرابط دون الضغط عليه.

في معظم متصفحات الويب (مثل Chrome أو Firefox)، سيظهر لك عنوان URL الفعلي في الزاوية السفلية اليسرى من الشاشة- افحص عنوان URL بدقة: هل يحتوي على أحرف غريبة؟ هل يقلّد اسم موقع معروف باستخدام أحرف مشابهة (مثل استخدام “0” بدل “o”)؟ أو هل يستخدم امتدادات مشبوهة مثل “.xyz” أو “.top” بدلًا من “.com”؟ هذه مؤشرات تحذيرية لا يجب تجاهلها.

الأمر نفسه ينطبق على الرسائل الإلكترونية (الإيميلات)، لا تفتح روابط أو مرفقات من إيميلات غير متوقعة، حتى لو بدت الرسالة رسمية أو طارئة، فغالباً ما يُقلّد المحتالون عناوين بريدية شبيهة بالعناوين الرسمية، مثل: support@amaz0n.com بدلًا من: support@amazon.com الفرق قد يكون حرفاً واحداً، لكنه كافٍ لسرقة بياناتك.

وأضافت إذا وقع أحد فعلياً في فخ اختراق الحساب، فعليه اتخاذ إجراءات فورية: كفصل الجهاز عن الإنترنت، تغيير كلمات المرور من جهاز آخر آمن، إن أمكن، التواصل مع خبير أمن رقمي أو دعم المنصة المعنية، إخبار الأصدقاء بعدم النقر على أي رابط يصلهم من الحساب المخترق، وتجاهل جميع الرسائل الصادرة منه حتى يتم استعادته للوقاية من هذه المخاطر، مع استخدم دائم لخيارات الحماية المتاحة في المواقع والتطبيقات، خصوصاً المصادقة الثنائية (Two-Factor Authentication). وتجنب استخدام كلمة مرور واحدة لجميع الحسابات، بل الاستعانة ببرامج موثوقة لإدارة كلمات المرور (Password Managers)، والامتناع تماماً عن حفظها في ملفات نصية عادية أو على ورقة بجانب الشاشة!.

منصات وهمية

وحذرت المهندسة قبلان من منصات التداول الوهمية، والأشخاص “الوهميين” أيضاً من أكثر أشكال الاحتيال انتشاراً حالياً، والكثير من منصات التداول المزيفة، يُصمّم لدفع المستخدم إلى الإدمان المالي والنفسي، عبر وعود بأرباح سريعة وغير واقعية. تبدأ بعرض أرباح خيالية، ثم تطلب إيداع مبالغ متزايدة، لتكتشف لاحقاً أنها مجرد فخ.

لذا، يجب تجنب الاستثمار في أي منصة لم يتم التأكد من ترخيصها الرسمي من جهات رقابية معروفة (مثل هيئة الأوراق المالية أو البنوك المركزية).

كما يجب عدم الوثوق أبداً بـ “المرشدين الماليين” أو “الخبراء” الذين يظهرون فجأة على وسائل التواصل الاجتماعي ويعرضون “فرصاً ذهبية”. غالباً ما يكون هؤلاء مجرد محتالين يستغلون الثقة العاطفية أو الطمع المالي.

لا تُسرب بياناتك الشخصية، حتى لو بدت “عابرة” يجب تجنب مشاركة أي معلومات شخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل: رقم الهوية أو جواز السفر، عنوان السكن، أو مكان العمل، أسماء أفراد عائلتك، أو أسماء الحيوانات الأليفة (التي تُستخدم أحيانًا كأسئلة أمان)، صور للوثائق الرسمية، كل هذه التفاصيل قد تُستخدم لاحقاً في هجمات “الهندسة الاجتماعية” (Social Engineering)، إذ يبني المحتال صورة كاملة عنك ليُقنعك بصدقه أو ليتجاوز إجراءات الأمان.

وختمت قائلة: الإنترنت عالمٌ مليء بالفرص، لكنه أيضاً مليء بالمخاطر، والفرق بينهما غالباً يكون في نقرة واحدة، الوعي هو درعك الأول، لا تستهن بأي رسالة مشبوهة، ولا تستعجل، خذ وقتك، تحقق، واسأل، والأهم لا تثق إلا بعد التأكد.

بصمات

رغم أهمية التطورات التكنولوجية للبشرية، إلا أن المحتالين يوظفونها للنصب والاحتيال كما في استخدام الذكاء الاصطناعي للحصول على ما يرغبون من الشخص المستهدف.

يقول خبير أمن المعلومات المهندس المعلوماتي سليمان أحمد: النصب والاحتيال وارد ببساطة عبر الإنترنت، لأن أي شخص لديه معرفة بالذكاء الاصطناعي يمكن أن ينشئ أي محتوى يريد، سواء بتقليد فيديو مع الصوت الذي يحدده، يكفي أن يكون لديه بصمة سابقة للصوت الذي يرغب بانتحال شخصيته، فمثلاً إذا كانت شخصية عامة كرئيس دولة أو رجل أعمال ذي نفوذ مالي كبير، فنان، إعلامي، لديهم فيديوهات منتشرة عبر الشبكة العنكبوتية، فيمكن أخذ عينات منها أو حتى بصمات صوتية، ويطلب من الذكاء الاصطناعي أن يولد فيديوهات بالنص الذي يرغب شكلاً وصوتاً، طبعاً لا يمكن أن يحقق دقة كاملة 100 %، لكن مستقبلاً سيكون قادراً على ذلك.

وأضاف: اليوم أي فيديو يتم توليده عبر الذكاء الاصطناعي يتواجد فيه أخطاء صغيرة، قد لا ينتبه إليها الشخص العادي، لكن القليل من الانتباه والتدقيق على حركة الشفاه أو الأيدي أو الأرجل، أو أي عنصر بالفيديو تظهر ثغرات معينة، هذا الشيء لايزال ثغرة كعيب فيها، ولكن مستقبلاً سيتم السيطرة عليها ،وهذا سيفتح الباب بشكل أوسع للنصب والاحتيال للأسف، لذلك يجب عدم الوثوق بالتسجيلات، وعدم اتخاذ أي قرار بشكل فوري بعد وصول الفيديوهات المرسلة مهما كانت الشخصية التي تحتويه، والحفاظ على السرية في المعلومات الحساسة من أوراق ثبوتية، أو ملفات شخصية، كلمات المرور، وعدم الاستجابة لأي كان أثناء طلب تحويل مبالغ مالية مهما كانت صغيرة، وعدم الإفصاح عن أرقام الحسابات البنكية.

كما يجب إهمال الاتصالات ذات الأرقام المجهولة، أو مجموعات الفيسبوك، والعمل على الاتصال بالشخص الذي يتواجد بالفيديو أو بالتسجيل إن أمكن على الرقم المعروف لديكم للتأكد من المعلومات المطلوبة، مع إثباتات توضيحية.

ألعاب وقمار

لوحظ بين الفينة والأخرى تحذير يطلقه المهندس دريد عبد الله بمنشورات متعددة ضمن صفحته عبر موقع التواصل الاجتماعي -الفيس بوك -عن خطورة بعض الألعاب المتفشية في المجتمع السوري والتي سببت الدمار لكثيرمن البيوت.

في اتصال مع مهندس المعلوماتية عبد الله المغترب في هولندا للوقوف على أسباب تحذيراته المتكررة من الألعاب المنتشرة، قال: هناك ألعاب متوفرة في الانترنت تعمل بمبدأ القمار وتعتمد على منصة كازينوهات، حيث يسجل اللاعب دخوله شرط أن يشحن حسابه بالنقود ويلعب كمقامر إما يربح أو يخسر حسب الحظ، ولسهولة اللعب بداية بهذه الألعاب يصبح الداخل إليها مدمناً، ويزيد الأدرينالين لديه ويزيد في الخسارات أو الربح ،ويستمر حتى يأتي يوم وينكسر تماماً عند الضربات الكبيرة والكثيرة، وكأنه تحت تأثير المخدر فيبيع مقتنياته أو أملاك عائلته وتزيد الاضرابات مع أسرته ومجتمعه، ثم يستدين ليستمر في الخسارة.

اللعبة (Ichancy) وغيرها منتشرة كثيراً في سورية، وقد حذرت الكثيرين منها ومن الألعاب التي تعتمد على مبدأ القمار مثلها، لكن للأسف الغالبية يريد المال دون عمل أو جهد.

أسمع بالكثير ممن يلعبون، لكن القليل من معارفي خسروا مئات الملايين ولا يزال هؤلاء يستدينون ليلعبوا دون رادع.

أرقام خيالية تتهاوى بالخسارات، استنزاف الموارد المادية، استهلاك للعقول الجيدة، ومضيعة للوقت، كما أن هناك بعض الشباب لديهم فرص ليعملوا أعمالاً مردودها جيد، لكنّهم اتجهوا ليكونوا معتمدين كاشيرز للعبة في سوريا حيث يروه مصدراً إضافياً للدخل أشبه بتعبئة الرصيد ولكن أكثر ربحاً.

مؤسف ما وصل إليه الوضع في البلد.

آخر الأخبار
إزالة "الفيميه" .. تعيد الجدل في شوارع حلب حين تفقد الكهرباء عقلها..معركة الطاقة تبدأ من الإدارة تمويل خليجي وخبرة روسية يعيد إحياء الطاقة في سوريا اتفاقيات الحبتور في سوريا نقلة نوعية نحو اقتصاد المستقبل معاون وزير الاقتصاد: وحدات تعبئة المياه تربح 20 مليار ليرة زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن.. بوابة لإعادة الإعمار والاستقرار الاقتصادي 70 بالمئة من زيوت السيارات مغشوشة إلغاء قانون قيصر.. بداية بناء المستقبل الاستثماري الصحة تفتح أبوابها لكفاءاتها و"منظمة الهجرة " شريك في العودة الشرع يلتقي الجالية السورية في واشنطن: ما الرسائل التي وجهها لمرحلة ما بعد التحرير؟ مساعدات إنسانية أردنية تصل إلى الأراضي السورية في خطوة تعكس تحولاً مفصلياً.. الرئيس الشرع يلتقي ترامب في البيت الأبيض رفع قانون قيصر بداية مرحلة جديدة بفرص استثمارية كبيرة توسع التعامل بالدولار.. هل هو خطوة مؤقتة أم خلل مستمر؟ افتتاح مركز السجل المدني في مدينة العشارة بدير الزور تراجع إنتاج فاكهة الشتاء يدخلها غرفة الإنعاش "المنزول" بحمص.. مشروعات جديدة نهاية العام التسوّل في طرطوس بين الحاجة والاحتيال توريد آليات للنظافة وتعبيد الطرق أعمال خدمية متوازية بريف دمشق إصلاح الكهرباء يبدأ من تحسين الخدمة وضبط الهدر