ثقافةُ العنف.. ومصطلحاته الدخيلة

 

الملحق الثقافي:حبيب الإبراهيم:

أرخت الحرب الكونيّة الظالمة، ظلالها المقيتة، القاتمة، على كافة مفاصل الحياة، وكلّ جوانبها في سورية، مما أدّى إلى ظهور آثار سلبية، انعكست على المواطن السوري نفسياً واجتماعياً ومعيشياً، ولا نعلم لأيّ مدى ستستمر هذه الانعكاسات، ولا إلى أين ستصل به!؟..
ولعلّ أبرز تلك الآثار وأكثرها تأثيراً، بل وأشدّها خطورة، انتشار ثقافة العنف في المجتمع السوري.. العنف اللفظي، النفسي، الجسدي.. فها نحن نسمع يومياً عن حادثة عنفٍ هنا، وحادثة أخرى هناك، وغالباً ما يذهب ضحية هذه الحوادث، الأبرياء من رجالٍ ونساء، وشباب وأطفال….
هذا العنف، يحدث بشكّلٍ أو بآخر في مناطقٍ عديدة من الأرياف والمدن، وهي إحدى المفرزات الطبيعية لحربٍ أقلّ ما يمكن أن يُقال عنها، أنّها حرب قذرة استهدفت البشر والشجر والحجر، وأراد من أشعلها أن تأكل الأخضر واليابس، بل وأن تفرض على المجتمع أن يعيش طوال فترة اندلاعها، في خضمّ مصطلحاتٍ تدميريّة لعقل الإنسان وتفكيره، لقيمه وأخلاقه ومثله..
نعم، لقد جاءت الحرب بمصطلحاتٍ جديدة، كرّسها الإرهاب والإرهابيين، ممن قدِموا إلى سورية من كلّ أصقاع الدنيا، وهو ما يتطلب الكثير من الوقت والجهد، لإعادة تأهيل هذا الشعب اجتماعيّاً ونفسيّاً، مثلما لإعادة إعمار ما دمرته الحرب من قيمٍ ومبادئ ومُثل.. أيضاً، إعادة الثقة لمن اهتزّت ثقتهم بأنفسهم أولاً ومجتمعهم ثانياً.. فخلال فترة الحرب، ترسّخت مصطلحات ومفاهيم عديدة وافدة على المجتمع السوري، وعلى ثقافة وحياة السوريين، وتفكيرهم وطبعهم وأمزجتهم وعاداتهم.. هذه المصطلحات حوّلت لغة المحبة والتسامح والتعاون والإخاء، لدى فئة غير قليلة، إلى لغةِ العنف والقتل والتدمير والانتقام، وغيرها من مصطلحات دخيلة على ثقافة وتربية ونفسية أبناء الحضارة والتاريخ.. أبناء الإنسانيّة والمدنيّة.. أبناء النور والضياء.
لاشكّ أنّ ثقافة العنف التي أصبحت سمة لبعض السلوكيات والتصرفات عند بعض الناس في المجتمع، هي ثقافة مرفوضة وطارئة وعابرة، ولا يمكن بأيّ حالٍ من الأحوال، أن تعبّر عن طبيعة المجتمع السوري الذي كان وسيبقى، عنواناً للمحبة والتعاون والإخاء ….
إنّ إعادة بناء الثقة، وإصلاح ما تشوّه من صور جميلة وبهيّة.. صور التعاضد والتكاتف والتعاون والإيثار، التي كانت وستبقى من نواميس الحياة اليومية للسوريين، يتطلّب جهوداً مضاعفة من قبل الجميع، وهي مسؤولية الجميع، من وزاراتٍ وهيئاتٍ ومؤسساتٍ ومجتمعٍ محلي وسواهم من الجهات التي عليها العمل وفق استراتيجية وطنية شاملة، لنبذ العنف والتعصب والكراهيّة، والجنوح إلى تطبيق القانون في حلّ النزاعات والخلافات التي تنشأ بين الأفراد، وتكريس سلطة الدولة التي هي المرجع الأساس في تحقيق العدالة الاجتماعية، ومن غير المقبول والمنطقي، اللجوء إلى سياسة (كلّ شخص يأخذ حقه بيده)، فذلك يحّول الحياة في المجتمع، إلى فوضى قاتلة، تجعله يعيش وكأنه في شريعةِ غاب…
إذاً، ضمان الحقوق لأيّ مواطن، هو ما تكفله الدولة بكلِّ مؤسساتها وهيئاتها، وهي قادرة على صون كرامة المواطن وحماية حقوقه وممتلكاته..
إنّ نشر هذه الثقافة وتكريسها وتوسيع قاعدتها، بحيث تشمل كلّ فئات المجتمع، هي مسؤولية مقدّسة ويجب الاشتغال عليها بكلّ الإمكانات المتاحة، لتعزيزها في نفوس الجميع ضماناً لأمن واستقرار المجتمع.
إن نبذ العنف ونشر ثقافة التسامح، يجب أن يبدأ من الأسرة أولاً، مروراً بالمدرسة والقطاع التربوي، حيث دورهما في تعزيز ثقة الأطفال بأنفسهم ومجتمعهم ومؤسساتهم التربويّة، ونشر هذه الثقافة وتكريسها منهجاً وسلوكاً يومياً، وليس انتهاءً بوسائل الإعلام بكلّ مسمّياتها، ومعها وسائل التواصل الاجتماعي لإعادة إعمار النفوس وتطهيرها من أدران الحرب البغيضة، ونشر ثقافة المحبة والتسامح، ثقافة التعاون والتكاتف، وليكن شعار هذا العمل: لا للعنف.. نعم للمحبّة والتسامح والتعاون.
إنّ ممارسة العنف بكلّ أشكاله ومسمّياته، مرفوض دينيّاً وقانونيّّاً وأخلاقيّاً ومجتمعيّاً، فآثاره مدمّرة للفرد والأسرة والمجتمع، ولا بدّ من تحكيم العقل والمنطق والقانون، للوصول إلى مجتمعٍ مُعافى.. مجتمع تسوده الأخلاق والقيم والعدالة الاجتماعيّة وثقافة المواطنة، ويكون تطبيق القانون فيه هو معيار للرّقي والتسامح، والثقافة المجتمعية دؤوبة على الاستمرار والتواصل، والانتقال من جيلٍ إلى آخر .

التاريخ: الثلاثاء12-10-2021

رقم العدد :1067

 

آخر الأخبار
تصريحات أميركية بعد اجتماع الشرع مع ترامب بعد دقائق من دخول الشرع إلى "البيت الأبيض".. الخزانة الأميركية تصدر قراراً مهماً  مركز للتصوير بالأمواج فوق الصوتية في مركز الأورام بمستشفى اللاذقية الجامعي  الرئيس الشرع يصل "البيت الأبيض" ويبدأ محادثاته بجلسة مغلقة إعادة تأهيل 320 مدرسة في إدلب زيارة الرئيس الشرع لـ"البيت الأبيض".. ماذا تريد واشنطن من لقاء دمشق؟ بعد 116 يوماً على اختطافه.. الدفاع المدني يجدد مطالبته بالإفراج عن حمزة العمارين سوريا تطرق أبواب "التحالف الدولي".. هذه أبرز الانعكاسات على الخرائط السياسية والعسكرية   ثلاث مشاجرات وحالة إغماء.. حصيلة يوم في "كهرباء حمص"..!  30 ألف مستفيد سنوياً من خدمات مركز الإعاقة ومصابي الحرب وفد سويسري – ألماني يضع ملامح تطوير التعليم المهني في دمشق أجندة ترامب الشرق أوسطية.. لماذا زار الشرع واشنطن قبل صفقة بن سلمان الكبرى؟ بسلاح الحجة والعقلانية.. الرئيس الشرع يفرض الحوار من أجل إلغاء قانون "قيصر" خلال أقل من عام.. كيف أوصل الشيباني سوريا إلى مكاتب "البيت الأبيض"؟ "رويترز".. هل باتت الوكالة البريطانية الوسيلة الأخيرة لترويج تنظيم "داعش" في سوريا؟ ماذا تعني الاتفاقية الأمنية الجديدة بين سوريا وإسرائيل؟ لماذا يترقب لبنان نتائج زيارة الرئيس الشرع إلى "البيت الأبيض"؟ "تجارة حلب" تبحث تحديات قطاع المواد الكيماوية للأدوية ومواد التجميل بعد ارتفاع تعرفة الكهرباء.. المنتج المحلي عاجز عن منافسة المستورد ازدحام السيارات يهدد هوية دمشق القديمة ويقضم ذاكرة المكان