ذاكرةٌ سوريّة.. لميّتٍ يروي آخر حلمِ رآه!

 

الملحق الثقافي:محمد الحفري *

“هل حدّثكم أحدٌ عن لحظاته الأخيرة، وهو يلملمُ أوجاعه ويحزم حقائب حزنه ويغادر هذه الحياة؟.. هل روى لكم رجلٌ ميّتٌ آخر حلم رآه؟.. أنا سأفعل”..
بهذه الأسئلة يبدأ الدكتور “نزيه بدور” روايته التي تحمل عنوان “إعلان مقتل الدكتور علي”.. وبذلك التصميم يؤكّد لنا أنه سيفعل ذلك، وبالتالي نعلم أن هناك موتاً قد حدث أو ربما سيحدث، وهذا ربما يشي بداية، إلى كشف مضمون النصّ، لكنه في الحقيقة يأخذنا إلى مطارحٍ كثيرة قبل ذلك، فيها ما يناسب الروي ويلقي الضوء على حياة بطله وعائلته، وجميع من تطرّق إليهم السرد الذي يحيلنا إلى “العنبر رقم ستة” لمؤلفه “تشيخوف”، ولنصٍّ مسرحيٍّ سوريّ يحمل عنوان “انتحار غير معلن” لمؤلفه الدكتور “حمدي الموصللي” الذي يتحدث فيه عن اغتيال عالمٍ على يد الغرباء خارج البلاد.
بدايةً نقول، إن التشويق كان الشغل الشاغل للمؤلّف، أو لعلّه التقنيّة الأهم والأكثر بروزاً في كتابته، وهذا ما نجده في عددٍ من الصفحات، حيث سمع البطل وهو في غيبوبته: “تقرأ الممرضة بطاقة سريري في المشفى. الاسم: غير معروف.. العمر: يُقدّر بستةٍ وثلاثين عاماً.. الجنسية: مجهولة”.. وكان يحاول أن يعرّف عن نفسه بأنه الدكتور “علي” وبأنه سوريّ الجنسيّة. لكن دون جدوى، فلسانه لا يطاوعه ولا رأسه ولا أي شيء فيه، لذلك أمر الطبيب بنقله إلى العنبر رقم ستة، لأن لا فائدة تُرجى من علاجِ هذا المصاب، وربما تلك حالة من حالاتِ الذين ماتوا في الغربة خارج أوطانهم، وهناك حالات كثيرة تنطبق عليها، ولعلّ مهارة السرد قد جاءت في التمكّن من التغلغلِ إلى أعماقِ بطل العمل، ومعرفة تفاصيله الداخلية، وما يفكّر فيه قبل أن يغادر عالمنا دونما رجوع..
تتوزّع الأصوات الساردة لهذا النصّ، على أكثر من شخصيّة ومنها، زميله الدكتور “توفيق” الذي يروي لنا أشياء تخصُّ صديقه الدكتور “علي” الذي عُرف بتفوقه منذ المراحل الأولى للدراسة.. يحكي بعدها، عن سيرة عائلته ووالده بشكلٍ خاص، ويذهب بنا إلى أمكنةٍ كثيرة من أرض سورية، حيث يذكر في المقطع الثالث من العمل، حكاية يتمه وكيف تهدّم البيت على والدته وقتلها، ويتطرّق إلى “عين فيت” الجولانية وزواجه من “خديجة” شقيقة صديقه “إبراهيم”، وانتقاله أثناء الخدمة العسكرية إلى حلب وحمص وتل الحارة وغير ذلك، لنقول بعدها إن الكاتب جعل من شخصيّة والد البطل شخصية معادلة لشخصية بطله الرئيس، وقد تمّ تبديل السرد على مدارِ صفحات الرواية، فقد جاء وصف الجولان على سبيل المثال، على لسان الأستاذ سليم الذي يقول: “الجولان أو جولانتيس هو ملتقى الحضارات ومفصل التاريخ منذ أقدم العصور، تشهد آثاره القائمة والمندثرة على العظمة والجمال”.
نجد في العمل تفصيلات مهمة، منها اجتماع الجنود في ثكنةِ خالد بن الوليد بعد النكسة، وكان والد البطل من بينهم، ويتطرّق السرد إلى ثرثرةِ النسوة، العادات والقبور والمزارات ومخيم النازحين الذي تشكّل في مدينة حمص.. العائلة التي كبرت وصار عدد الأبناء فيها ستة، تخرج جميعهم من الجامعة وكان من بينهم ثلاثة أطباء، وبالتالي يمكن التأكيد على أسطورة الإنسان السوري، من خلال هذه الرواية التي استخدمت أغاني السيدة فيروز في غير مكان، لغايةِ التقطيع ولدلالاتٍ أخرى، وخاصة عندما تطرّق الروي إلى حرب تشرين عام 1973م. الحرب التي ارتبطت في ذاكرة المجتمع السوري بأغنية “خبطة قدمكم ع الأرض هدّارة” الفيروزية.
عوداً على ذي بدء، فقد كان بطل الرواية متفوّقاً في دراسته، ولذلك تمَّ إيفاده ليكمل دراسته في روسيا، وهناك تعرّف على زوجته “ناتاشا”. بعد عودته سافر إلى ليبيا للبحث عن فرصةِ عملٍ أفضل، ولكن القدر كان له بالمرصاد، ليحدث له ما حدث في مدينة طرابلس، أو مدينة السيارات السريعة والحوادث القاتلة كما تصفها الرواية.
العمل ليس بهذه البساطة، وليس مجرّد حكاية يمكن أن نمرُّ عليها مرور الكرام، بل نجد داخل متونه ما هو مهمٌّ وماتعٌ، وهذا ناتج بالتأكيد عن الجهود المبذولة ، والتي تنتمي إلى إبداعٍ حقيقي، يجدر أن يشار إليه بكلِّ تقدير، وفيها ما هو جديد على هذا الصعيد، ونأخذ هذا المثال فقط للتدليل على كلامنا: “قال له امرؤ القيس: “الرجل الطموح معرّضٌ للخطر، ألم أخرج إلى بلاد الروم لأموت وحيداً مجدوراً في أنقرة؟”.
أجابه علي: خرجت تطلب ملكاً فمتّ، أما أنا فقد خرجت طلباً للقمة العيش ليس إلا، فهل أستحقُّ الموت في الغربة ؟”
في النهاية نقول، هذه الرواية تفتح أبوابها على الغربة وأوجاعها، وصعوبة عيش الإنسان بعيداً عن أرضه ووطنه، وهي بالمقابل تجوب داخل البلاد، ليحمل مؤلّفها “نزيه بدور” عدسة تصويره، ويلتقط من خلالها صوراً فيها الكثير من الدهشة والجمال، بعد ذلك يبثُّ بصيصاً من الأمل الذي أنار عتمة حلّت على عائلة بطل روايته، وذلك حين أصبحت ابنته “ماشا” بعد رحيله بسنوات، عازفةٌ موسيقية معروفة، يشهد محيطها على نجاحها وتفوقها.
 *كاتب روائي ومسرحي

التاريخ: الثلاثاء12-10-2021

رقم العدد :1067

 

آخر الأخبار
زيارة الرئيس الشرع للبيت الأبيض.. تحوّل المسار السوري وتوازنه إقليمياً ودولياً تصريحات أميركية بعد اجتماع الشرع مع ترامب بعد دقائق من دخول الشرع إلى "البيت الأبيض".. الخزانة الأميركية تصدر قراراً مهماً  مركز للتصوير بالأمواج فوق الصوتية في مركز الأورام بمستشفى اللاذقية الجامعي  الرئيس الشرع يصل "البيت الأبيض" ويبدأ محادثاته بجلسة مغلقة إعادة تأهيل 320 مدرسة في إدلب زيارة الرئيس الشرع لـ"البيت الأبيض".. ماذا تريد واشنطن من لقاء دمشق؟ بعد 116 يوماً على اختطافه.. الدفاع المدني يجدد مطالبته بالإفراج عن حمزة العمارين سوريا تطرق أبواب "التحالف الدولي".. هذه أبرز الانعكاسات على الخرائط السياسية والعسكرية   ثلاث مشاجرات وحالة إغماء.. حصيلة يوم في "كهرباء حمص"..!  30 ألف مستفيد سنوياً من خدمات مركز الإعاقة ومصابي الحرب وفد سويسري – ألماني يضع ملامح تطوير التعليم المهني في دمشق أجندة ترامب الشرق أوسطية.. لماذا زار الشرع واشنطن قبل صفقة بن سلمان الكبرى؟ بسلاح الحجة والعقلانية.. الرئيس الشرع يفرض الحوار من أجل إلغاء قانون "قيصر" خلال أقل من عام.. كيف أوصل الشيباني سوريا إلى مكاتب "البيت الأبيض"؟ "رويترز".. هل باتت الوكالة البريطانية الوسيلة الأخيرة لترويج تنظيم "داعش" في سوريا؟ ماذا تعني الاتفاقية الأمنية الجديدة بين سوريا وإسرائيل؟ لماذا يترقب لبنان نتائج زيارة الرئيس الشرع إلى "البيت الأبيض"؟ "تجارة حلب" تبحث تحديات قطاع المواد الكيماوية للأدوية ومواد التجميل بعد ارتفاع تعرفة الكهرباء.. المنتج المحلي عاجز عن منافسة المستورد