القافزُ من الحُزْنِ للأعلى..

 

الملحق الثقافي:وجيه حسن:

الحزنُ ممّ يا تُرَى؟.. وعلى أيّ شيءٍ ذي قيمةٍ ومنزلةٍ في الحياة المَعِيشَة نحزن؟.. ثمّ «ألا يكفينا الذي فينا» كما يقول مثلٌ شعبيّ؟..
يوماً، جاء أحد المرضى إلى أحدِ الأطبّاء ليفحصه، ويشخّصُ له حالته المرضيّة، فقال له الطبيب:
– أنت كثير الحزن والاكتئاب، كثير السوداويّة، أنت بحاجةٍ إلى ما يُفرح قلبك، لِمَ لا تذهب إلى «السّيرك»، وتراقب ما يقوم به المُهرّج المشهور في بلدنا، فتصيبك لوثة الفرح والحُبور؟..
بحزنٍ دفينٍ قال المريض:
– أنا هو المُهرّج المشهور يا سيّدي..
عليه يردُ السؤال مغموراً بغيمةٍ كابية من الحزن:
– هل يشعر كثير أو قليل منّا، بدبيبِ الحزن في قلبه وعقله وكيانه، من أخمصِ قدمه إلى سَمْت رأسه؟!!.. هل يشعر بذلك، وهو يتسمّع بألمٍ طاغٍ إلى شخصٍ ضحْل الفكر، هزيل الشّخصية، أقلّ سماكة من شفرةٍ وطِيئةٍ مرميةٍ على قارعة الطريق، وهو يتحدّث عن بهلوانياته، وبذاءاته، ومغامراته، وابتزازاته، وفساد أخلاقه، ودناءة تربيته، وقساوة قلبه، وهو يُساوِم «الغلابة» من الناس على اقتناص المال من جيوبهم غيلة وعنوة وفي وضح النهار، وهو يقبع في غرفته الحكومية بإحدى الدوائر الرسمية، فما بالكم إذا كانت هذه الدائرة تابعة لـ «وزارة العدل» على وجه التّخصيص؟.. ألم يرد في أدبيّاتنا المعروفة: «العدل أساس المُلك»؟ ثمّ ألم يُوضَع «ميزان العدل» فوق الدوائر العدليّة في بلدنا، وفي باقي بلدان «بلاد العرب أوطاني»؟..
يوم كنتُ ذات سنة في صنعاء، ذاهباً لزيارة صديق، جاءت خطواتي قريبة من مبنى «وزارة العدل»، رأيتُ الميزان المعوجّ، الذي كان منتصباً أعلى مبنى الوزارة، والذي لم تكن كِفّتاه متعادلتين أبداً.. ضحكت في سرّي بحزنٍ، باستخفافٍ، برفضٍ، باستهجانٍ، أو بهذه مجتمعة، لا أعرف.. وبلعنةٍ كَلعنةِ قابيل نظرتُ الميزانَ المائِل، ثمّ تابعت سيري ميمّماً طريقي إلى منزل الصديق، وفي القلبِ حزنٌ شفيف أو عميق..
أعود إلى الذي كان بتلك الجلسة، يتحدّث بفظاظة وغلاظة، وضمير أسود داكن عن سرقاته، عن الملايين المُمَلْينَة التي اكتنزها، والتي حازَهَا ترهيباً أو ترغيباً من جيوب العباد، وحصائل تعبهم وجهدهم، مَنْ يجرؤ على محاسبته، على مساءلته؟.. هذا الشخص المُهترئ وطنياً وأخلاقياً وضميرياً وإنسانياً، هو أشبه ما يكون بأنقاضٍ من الفُخّار المكسور، كُوِّنَت في البدء والمُنتهى تكويناً سيّئاً خائباً..
ألا يدري مثل هذا الرّخيص المَوْتْور، المطعون في ضميره وتربيته وتكوينه النفسي والخُلقي، أنّ هؤلاء المواطنين من الفقراء (أو سواهم)، ممن يغزو جيوبهم، ويستولي على أموالهم ظلماً وبُهتاناً قصْد تَهْرِيمها، أنّهم أجسام كَسِيحة، أرواح محزونة، وهم كتلة من التناقضات الحياتية والإنسانية؟!.. ثمّ ألا يدري هو في أعماقه، أنّه معتوه عقلياً، ومُعوَّق فكرياً، ولصّ «مكسيكي» احترافياً؟. يعدُّ نفسه بطلاً من هذا الزّمان، وهو في أسّهِ وأساسه وتكوينه ومكانته كَعَصْفٍ مَأكُول، يعتبر نفسه واحداً من عمالقة المرحلة وأبطالها وصناديدها، لكنْ بعواطفٍ حمقاء، بأعضاءٍ وأطرافٍ ومواقفٍ هزيلة مُلتوية.. أي باختصار: غدا وحشاً من ضواري الطبيعة والمجتمع ..
اليوم أتكلّم بِحُرقة كاوِية، عن تسيّد الحزن في قلوب كثرة كثيرة من مواطنيّ بلدنا العزيز الصّامد، بسبب وجود أمثال هذه «الضّفادع البشريّة»، الذين أساؤوا لوجه الوطن أيّما إساءة، حين يرُومُون تطبيق القوانين حسب أمزجتهم وأهوائهم، أو تحييدها، أو طمْس موادّها وبودها، ضارِبين عرض الحيطان بكلّ قيمة ودستور وقانون وعدل وحقّ وخجل..
الحزن مصدرُه وجود «الجانب الحيواني المُنحطّ» في سلوكات عدد قليل أو كثير من العاملين في مؤسّساتنا ودوائرنا الرسميّة!!.
ومع كلّ هذا الحزن الكثيف الطاغي المُخيّم على النفوس والقلوب، تشعر كثرة كاثرة منّا، أنّهم سائرون نحو النّور، إنّهم يأملون في سيفٍ هُمَام يُريهم الطريق المستقيم على سطوعه والضّياء.. إنّ هذه الكثرة تُضاهِي الأطفال الذين يحاولون «تهجّي» أوائل المقاطع في كتاب الحياة الغامض..
إنّ أرباب الفكر الحقيقي النّظيف، أصحاب رُخَص الأقلام المخلصين الصادقين، وأهل الثقافة المُعَافاة، تتجلّى مسؤوليّتهم الأخلاقية والفنية والإبداعية والوطنية في قيادة الناس إلى مَراقِي النّور، وتفتيح عيونهم وعقولهم وبصائرهم على تلك الحفنة الهزيلة من البشر – الذين يمتصّون جيوب الآخرين وعَرَقهم من دون وجه حق – لفضحهم، وتوجيه أصابع الاتّهام إليهم، لِمحاسبتهم والقصاص منهم قصاصاً عادلاً..
يقول أحد الفلاسفة: «لا تستسلم إلى حزنك دائماً، لا تغضب، لا تلجأ إلى العنف لتحصيل حقوقك، بل انتظر مُعجزة السّماء، إنْ لم تحصل المعجزة على الأرض»..
يقول الكاتب الفرنسي المعروف «غي دي موباسان»: «إنّ الدّهر يُسيطر على الإنسانيّة، بالوحشيّة نفسها التي تسيطر فيها الإنسانيّة على حظائر الدّواب، وحيوانات الغابة».. وأعلن «موباسان» نفسُه، أنّ الآلام السريّة التي تنتاب البهائم، كانت تقلقه وتُفزعه، بل كانت تُوقظ فيه جميع الغرائز الرّاقية التي لِرُوحِه وكيانه، لكنّ صرخته في الحياة والكتابة، جاءت كَعواءِ ذئبٍ وقع في شِباك المَصيَدة…
اليوم، آهٍ من الأثير.. واخجلتَاه من الطفولة البيضاء، من السّماء الصّافية الزّرقاء.. الفسادُ يا صاحبي.. قلبي، عيني، دموعي، ضلوعي، خدّي، روحي، جروحي.. آهٍ وألف آه.. إنّه لحزنٌ مُوجِعٌ وأيّ حزن؟! الفَسَدة والفساد إنّهما القيءُ البائخ الممجوج يا صاحبي، لا أكثر ولا أقلّ! بل إنّهما الغَثاثة والخسَاسَة، إنّهما الخنُوثة والمُيوعَة، إنّهما الرّوح وقد بلغت التّرَاقِي، إنّهما السّيلُ وقد بلغَ الزُّبَى، إنّهما الحِزام وقد تجاوزَ الطُّبْيَيْن، إنّهما الإفلاس والهزيمة والضّياع والإجرام بآنٍ معاً..
ختاماً.. حين سُئِل أحد الفلاسفة ذات يوم، عمّا إذا كان يستطيع أنْ يضع الإنسان الفاسد والفأر على بساط المساواة؟..
أجاب بكلّ ثقةٍ ومفاسحة وحزن:
– كلّا يا عزيزي، إنّ ذلك ليسَ في الوسع.. لأنّ في هذا إساءة كُبرَى للفأر المسكين…

التاريخ: الثلاثاء12-10-2021

رقم العدد :1067

 

آخر الأخبار
تعاون اقتصادي وصحي بين غرفة دمشق والصيادلة السعودية: موقفنا من قيام الدولة الفلسطينية ثابت وليس محل تفاوض فيدان: الرئيسان الشرع وأردوغان ناقشا إعادة إعمار سوريا وأمن الحدود ومكافحة الإرهاب رئيس مجلس مدينة اللاذقية لـ"الثورة": ملفات مثقلة بالفساد والترهل.. وواقع خدمي سيىء "السكري القاتل الصامت" ندوة طبية في جمعية سلمية للمسنين استعداداً لموسم الري.. تنظيف قنوات الري في طرطوس مساع مستمرة للتطوير.. المهندس عكاش لـ"الثورة": ثلاث بوابات إلكترونية وعشرات الخدمات مع ازدياد حوادث السير.. الدفاع المدني يقدم إرشادات للسائقين صعوبات تواجه عمل محطة تعبئة الغاز في غرز بدرعا رجل أعمال يتبرع بتركيب منظومة طاقة شمسية لتربية درعا حتى الجوامع بدرعا لم تسلم من حقد عصابات الأسد الإجرامية المتقاعدون في القنيطرة يناشدون بصرف رواتبهم أجور النقل تثقل كاهل الأهالي بحلب.. ومناشدات بإعادة النظر بالتسعيرة مع بدء التوريدات.. انخفاض بأسعار المحروقات النقل: لا رسوم جمركية إضافية بعد جمركة السيارة على المعابر الحدودية البوصلة الصحيحة خلف أعمال تخريب واسعة.. الاحتلال يتوغل في "المعلقة" بالقنيطرة ووفد أممي يتفقد مبنى المحافظة الشرع في تركيا.. ما أبرز الملفات التي سيناقشها مع أردوغان؟ بزيادة 20%.. مدير الزراعة: قرض عيني لمزارعي القمح في إدلب تجربة يابانية برؤية سورية.. ورشة عمل لتعزيز الأداء الصناعي بمنهجية 5S