يخطئ العدو في كلّ مرة يحاول فيها استهداف المقاومة ورموزها، فهو يعتقد أنه باغتياله رموز المقاومة وقادتها سوف يضعفها ويضعف نهجها، لكنّ التاريخ علّمنا أنّ نهج المقاومة يقوى ويزداد رسوخاً في عقول ووجدان الأجيال مع كلّ شهيد يرتقي على دروب النضال والتحرير.
سياسات الاغتيال التي يتبعها العدو تتنوع من التصفية الجسدية للأبطال المقاومين إلى محاولة تشويه صورة قوى المقاومة ودولها، ونقل ساحات الصراع إلى داخلها وإنهاكها بمعارك عبثية جانبية وتشتيت تركيزها عن قضاياها المصيرية كما يحدث في عالمنا العربي اليوم.
وليس خافياً على أحد أنّ كيان الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة يتربعان على عرش الجهات التي تعتمد هذه السياسة، فما جرى من جريمة نكراء في الطيونة وسط العاصمة اللبنانية بيروت وعلى مشارف الجولان، هو اغتيال واحد يقف وراءه عدو واحد وإن اختلفت الطريقة والأسلوب.
فعملية اغتيال الأسير المحرر مدحت الصالح أمام منزله في بلدة عين التينة مقابل بلدة مجدل شمس في الجولان المحتل، تأتي في سياق محاولات العدو الإسرائيلي تصفية رموز المقاومة وضرب ارتباط الجولان – أهله وترابه وتاريخه وجغرافيته- بالوطن سورية، إلا أنّها أيضاً دليل خوف وهلع مما يمثله هذا البطل ورفاقه في وجدان الشعب وما يحملونه من نموذج مقاوم ينقلونه من جيل إلى جيل، لكنّ العدو ينسى دائماً أن هؤلاء يتحولون إلى رموز وطنية في ضمير الشعب والأمة.
وما جرى في الطيونة بمدينة بيروت قبل أيام يأتي ضمن نظرية العدو الإسرائيلي والولايات المتحدة بنقل الاشتباك إلى ساحات غير ساحاتها وتشويه صورة المقاومة، وإلا فما الدافع وراء قيام المجرم سمير جعجع بالتخطيط لاستهداف مدنيين يتظاهرون احتجاجاً على تدخل الولايات المتحدة في تحقيقات تفجير مرفأ بيروت، وهو الذي كان يدّعي أنه من أنصار الحراك والتظاهر في الشارع؟ أليس الأمر جاء بطلب من السفارة الأميركية لتحويل الأنظار من الاحتجاج ضد الولايات المتحدة إلى صراع بين الأشقاء في الوطن ؟
جريمتا الطيونة وعين التينة تعيدانا بالذاكرة إلى آلاف عمليات الاغتيال والتصفيات التي هدفت بمجملها إلى إطفاء شعلة المقاومة من جهة وتشويه صورة محور المقاومة من جهة ثانية، فقد نحج العدو في اغتيال عماد مغنية وسمير القنطار وقاسم سليماني والشيخ أحمد ياسين والقائمة تطول من المقاومين والعلماء في فلسطين وسورية ولبنان والعراق وإيران، لكنّ المقاومة ونهجها على مستوى القوى والدول تزاد قوة وتأثيراً، فلا الشعلة انطفأت ولا البوصلة انحرفت وهذا أكثر ما يقلق كيان الاحتلال.
نقل ساحات الصراع إلى خارج مناطق العدو جاءت على شكل فوضى اجتاحت الدول العربية تحت مسمى “الربيع العربي” الزائف، حركتها وقادتها الولايات المتحدة الأميركية وكيان الاحتلال الإسرائيلي.. وجريمة الطيونة هي محاولة لجر المقاومة اللبنانية إلى حرب داخلية تحت عناوين طائفية بغيضة، لكنّ المحاولة فشلت للمرة الألف لأن رجال المقاومة وقادتها في لبنان يعلمون جيداً أهداف المؤامرة ودسائسها، والمقاومة لن تنسى الطعن في الظهر ولن تتخلى عن وجهتها ورسالتها بحماية الوطن وردع العدو وتحرير الأرض.
لن تنجح سياسة العدو سواء كان إسرائيلياً أم أميركياً أم إرهابياً في اغتيال نهج المقاومة ورجالاتها، فمع كل اغتيال تنبت أجيال من الشباب المقاوم .. وفلسطين خير مثال.. من غزة إلى الأراضي المحتلة عام 1948 إلى الضفة الغربية إلى سورية بجيشها وأبنائها في الجولان، ولبنان المقاوم وكذلك شعب اليمن المجروح الذي يشكّل ألف مثال.
إضاءات -عبد الرحيم أحمد