الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
لم تتأخر مخططات الولايات المتحدة الأميركية لما بعد انسحابها الفوضوي من أفغانستان بالظهور والتعبير عن نفسها بكل وقاحة وفجور، وأول هذه المخططات الشيطانية إدخال البلاد في مشهد دموي وحرب أهلية بين مكوناته العرقية والطائفية، فخلال أقل من شهر تنقلت التفجيرات الإرهابية من مسجد إلى آخر من كابول إلى قندوز إلى قندهار موقعة المئات بين قتيل وجريح بحيث لم تميز بين مكون طائفي أو عرقي وآخر، ما يشي بأصابع أميركية قذرة مازالت تعبث داخل أفغانستان وتنفذ مخططات مشبوهة كما فعلت وتفعل في مناطق كثيرة من منطقتنا من العراق وصولاً إلى سورية واليمن ولبنان.
مدينة قندهار معقل حركة طالبان التي استولت على البلاد بتواطؤ أميركي شهدت أعنف التفجيرات الإرهابية ذات البعد الطائفي وهي المدينة ذات التنوع الطائفي والتي لم تشهد أحداثا مماثلة من قبل، ما يعني أن سيناريو من الحرب الطائفية والأهلية قد تم إعداده مسبقاً من قبل الولايات المتحدة الأميركية وأدواتها ويجري تنفيذه بخبث ليدفع الأفغان ثمن تعايشهم السلمي ورفضهم للاحتلال الأميركي الأطلسي البغيض.
الولايات المتحدة ومعها شركاء آخرين وفي مقدمتهم بريطانيا مكثت في أفغانستان نحو عشرين عاما تعرفت خلالها على التركيبة العرقية والطائفية للبلاد وأصبحت على دراية كاملة بكل الحساسيات الموجودة في هذا البلد الفقير، وكذلك بعلاقة مكوناته بدول الجوار ولاسيما باكستان وإيران اللتين تقيمان علاقات ودية بينهما، وقد وجدت أن لا سبيل لتخريب العلاقات بين الدولتين سوى جرهما إلى اصطفاف طائفي على خلفية ما تم تحضيره لأفغانستان كما فعلت في العراق، عندما خلفت خلفها تنظيم داعش الإرهابي وصراعا طائفيا وعرقياً سقط خلاله عشرات الآلاف من الضحايا العراقيين، لتستغله لاحقا مع بداية الحرب الإرهابية على سورية وتعود للتدخل من جديد بشؤون البلدين بذريعة محاربة الإرهاب الذي كان نتيجة لغزوها للعراق وتدخلاتها غير المشروعة بشؤون المنطقة.
وليس بعيداً عن المشهد العام في المنطقة كانت محاولات أدوات أميركا في لبنان قبل أيام جر اللبنانيين إلى حرب أهلية جديدة من أجل نزع سلاح المقاومة في وجه العدو الإسرائيلي، حيث كانت أحداث حي الطيونة في بيروت يوم الخميس الفائت وكمائن الفتنة المنصوبة دليلاً جديداً على نوايا واشنطن الشيطانية تجاه اللبنانيين، لتخريب السلم الأهلي في لبنان، لأن مقاومته وشعبه الملتف حولها شكلا شوكة في حلق الكيان الصهيوني وأفشلا كل المشاريع الأجنبية على الأرض اللبنانية.
ويوماً بعد يوم تثبت الولايات المتحدة الأميركية أنها أبعد ما تكون عن القيم التي تروج لها ولاسيما الديمقراطية والحرية والتعايش السلمي بين الأعراق والأديان والمذاهب والمكونات الاجتماعية، ففي كل بلد تتدخل فيه استخباراتها أو سفاراتها أو جيوشها يعاني حروبا وأزمات من مختلف الأنواع، لأن السياسة الأميركية كما البريطانية سابقاً قائمة على زرع بذور الفتنة الطائفية والعرقية وزعزعة استقرار الدول وتخريب أمنها وذلك عندما ترفض هذه الدول أو قياداتها وحكوماتها أن تكون تابعاً أو منفذا ذليلا للسياسة الأميركية حول العالم، حيث بقيت الأنظمة العميلة بالكامل لواشنطن بمنأى عن كل الفوضى التي حدثت في المنطقة، في حين عانت بعض الدول التي حاولت الخروج جزئياً من هذه التبعية من مشكلات وأزمات كانت الأصابع الأميركية فيها واضحة وضوح الشمس.
قد يقول قائل لقد خرجت أميركا من أفغانستان فمن ينفذ سياستها هناك؟ وللرد على هذا السؤال نجد أن ظهور تنظيم داعش “الفرع الخراساني” الأشد تطرفاً في أفغانستان كان برعاية أميركية كاملة حيث ساهم تدخلها في كل من العراق وسورية في السنوات الماضية بإدارة ملف داعش وتحريك عناصره وفروعه وفق المصالح والأجندات الأميركية، فمن لديه القدرة على نقل التنظيم من العراق إلى سورية ولبنان واليمن وليبيا وتالياً إلى أفغانستان سوى الولايات المتحدة وأدواتها في المنطقة مثل تركيا وقطر، ثم كيف وصل داعش إلى أوروبا ونفذ العديد من التفجيرات والأعمال الإرهابية هناك لو لم تكن هناك جهة عظمى مثل الولايات المتحدة تدير شؤونه وتقنن إرهابه حسب الظروف ووفق المصالح؟!.
لعله من الصّعب حالياً التنبّؤ بمستقبل مشروع الفتنة الأمريكي في المنطقة وخاصة في أفغانستان وكيف ستكون مآلاته، ولكن ما يُمكن قوله إن هذه المشاريع تلحق الأذى والضرر بالدول المستهدفة ولكنها في الغالب تنتهي إلى فشل، والشواهد كثيرة، وهذا ما يجعل السياسة الأميركية شديدة التقلب وعصية على الفهم.
![](https://thawra.sy/wp-content/uploads/2022/02/photo_٢٠٢٢-٠٢-٢٥_٢١-٥١-٢٣-150x150.jpg)