عندما يعزفُ الانكسار.. لحن الحقيقة السورية

الملحق الثقافي:ألوان إبراهيم عبد الهادي:

«نغم الانكسار».. عنوانٌ يسحبك إلى عالمِ التساؤل: هل للانكسارِ المؤلم الذي نعرفه نغمٌ؟.. وكيف يمكن للمنكسر أن ينغّم انكساره وووو..؟..
الشّاعرة «راما عبد اللطيف» فلسفت هذا الانكسار، لتخلق من إيقاعه وصخبه، نغماً يمتّعها كما يمتّع القارئ، وعبر قصائدها الحداثوية القصيرة، التي تبتعد عن الومضة، وعن القصيدة الطويلة على الأقل.
لقد اختارت لقصائدها أجساماً وقواماً فنيّاً مختلفاً، فنراها تراقصها بحزنها وفرحها، بحبّها وكرهها، بتلاوين روحها الحالمة إلى طعمٍ إنساني، تصبو إليه بعيداً عن الواقع، وتشوّهات الحياة التي قد تقسو عليها، فتراها تحزم أحرفها وأفكارها، لتسافر في عالم الكلمة التي حاكتها على طريقتها، معتمرة فلسفتها المعهودة، ومنعتقة من الأوزان الخليلية والقوافي، التي تمنع أجنحتها من التحليق عالياً، وبحريّةٍ لا تحدّها حدود:
/لم أشدُ ترانيم شعري/ على نغمِ الأوزان/ مع رنينِ عرسِ القوافي/ بل همتُ بالحرفِ/ طرباً أضحكته/ أدمعته حسّاً/ أفرحني وأبكاني / سبحتُ في الدمِ معاً/ ارتحلنا حالمين بعيداً/ إذا ما نادانا مليك الفكرة/.
هذه التجاذبات الحميمية، بينها وبين الحرف والفكرة والكلمة، تأخذها كما ترغب، وتعيدها إلى واقعها وأحداثه، تتفاعل معها كما كلّ شاعر، ولكن بطريقةٍ تفردّت بها، ليضمّ الديوان مئة وخمسة وثلاثين عنواناً لقصائدها.
عالمها رحبٌ وغنيّ، وإن تأثّرت بفكرِ وفلسفة «أدونيس»، إلا أنها خطّت لقصيدتها مقاماً خاصاً، لا يشبه سواها، لتتنقل بعدها بين «سلال الموت، لفحة رجاء، دغدغة، مع الوهم نحيا، فرحك يزيد».. وهنا تقول:
«مالم يُسعدكَ غيرك/ يكفيكَ فرح ذاتك/ بوجودكَ وبالوجودِ اهنأ بنفسك/.. إنها فلسفة المعرفة بالذات وهواجسها، وبالظلم الذي تساءلت عنه: /أسمعتم بمن؟/ عاشَ بين الأموات/.. أيضاً، بالقهر و»ثروة المقهورين»: /تبقى أيها الرضا وحدك/ ثروة المقهورين/ خبز الصابرين/..
وفي «جنة فحسب» تقول: /اتركوا الدّين السّماوي لتساؤلاتِ الغيب/ واعتقوا سورية على أرضها لتبقى/ حقيقة ثابتة/ جنّة فحسب/ ..
في قصائدها همٌّ وطنيّ، يتسرّب في تنهدّات أشعارها «روعة الولاء، سوريانا القضية»، وتقول فيها: /السلامُ عليكِ يا حبيبتي/ يا أكرم الأمم/ يا أمي/.
أما «حدود بلادي» فتجدها: /كوريقاتِ صفصافٍ كهلة نثرها الهبوب/ كغيثِ دمعٍ انهمر بعد عصفِ الأحزان/ ننكسر/ وتُكسر فينا الأيام/.
هذه الآلام التي تحرقها، تبرز في كلّ قصائدها، موجعة ومطعّمة بحبّها ورهافة حسّها للحياة والأشياء، وأمانيها في تحقيق الجمال الأسمى، بعيداً عن البشاعة التي وصفتها: /سأغفل عن شوكِ البشاعة / وأجتثُّ من الرّوح رزمة الجروح/ لن تجافيني نواميسُ الوجود/ على تعمّدي كسرِ المحال/ على تشريعي عقيدة الآمال/..
وعن دمشق «مدوّنة الحضارة» تقول: / دمشق/ يا مدوّنة الحضارة/ دنَس بياض أحلامها/.. وعن «لواء تاج»: /الخصيبُ سليب الفؤاد/ السوري أنا/ بالجهلِ بمرارة النسيان/ لا تقتلوني/ مرّة تلو مرة/..
من الواضح أن الشّاعرة تعتمر الوجع في جميع قصائد ديوانها، ويشغلها حدّ سعيها لاستدعاءِ الجمال والحب، في خضمِّ ترهّلات الحياة والأوضاع المعاشة، التي لا تَحتمل انكساراتها، فتحيلها نغماً قابلاً للأمل والحياة، ولها في الانعتاق من الماضي وإرهاصات المستقبل، عنوان «للحبّ عطرٌ وجناح»:
/تعالَ لنغرس حقول اللحظة/ معاً زنابق وجد/ على روابي الصدفة رمينا/ لا يد لنا بحقائبِ الماضي، ولا بمخاوف الغد/.. وفي «حتمية» تقول: /انعدام العدالة على الأرض/ يدفع لأمرين لا ثالث لهما/ الموت ثمّ الموت ثمّ الموت/. وفي قصيدة «خمرة التحدي»: «بين الفرح والكآبة قرار/ فيا أيتها السويعات المؤلمة اهدئي/ يئس مني الخنوع/ ومن دمعي مطر صيف مشتاق/ أصابعي إزميلي وأقلامي/.
وفي «شهيدان» ترثي الصدق والوفاء اللذين غادرا، بعيداً عن العذاب والحزن والشقاء، وفي قصيدة «ماذا أوصِّيكِ؟»: /ماذا أوصّيكِ يا سطوري/ يا مهد حرفي/ اكتبني بمدادِ دمي/ على صفحاتِ روحي/ لأسعد بوجودٍ/ ضاق من دونك بي/.
قصائدٌ كثيرة تومئ لك بالوقوف عندها، محمّلة بما تشتهيهِ يرويك، وهذا ما أنشدته «عبد اللطيف» قبل وبعد أن تستدعينا إلى مشهدٍ لزورقِ نجاة، فإذ به غربة وبُعد، كما في العدوان المدمّر لأواصرِ الألفة والتودّد بين الناس، والذي يحتاج إلى عواصفٍ عاتيةٍ، تقوم بغسل هذه الشرور..
لا شكّ أن ما تطمح إليه، هو بين يديها، وعلى وشك أن يلبّي رغبة سعت إليها، بأنغامها الشعرية المفتوحة والمُطلقة إلى الوجود، دون قيدٍ أو شرط، وهذا ما اتّسمت به وحدّد ملامحها الشعرية بامتياز.
تختم الشّاعرة «راما عبد اللطيف» ديوانها، بكلمة شعرية ألقتها في معرض الكتاب الثقافي، المقام في «فندق صافيتا الشام»، بعنوان «كلمة لبلادي من حرفها». في هذه الكلمة تؤكّد على منبت الفكر الحرّ في بلدِ الخصوبة والعشق سورية. في بلدِ الحضارة السامية والعريقة، مؤكّدة بأن الفكر لا ينتمي إلا للإنسان والعلم والآداب، وبأن الكتاب هو من يبني العقل والنفس، ويرسّخ العلوم والآداب للإنسانية بأكملها..
«نغم الانكسار».. هو الديوان الرابع لـ «راما عبد اللطيف».. صدر عن «دار أرواد للطباعة والترجمة والنشر» في طرطوس، وقد ضمّنت الغلاف صورتها وهي توقع كتابها الثالث «فجرٌ وزهرتا فل» بعد مجموعتين قبله.

التاريخ: الثلاثاء2-11-2021

رقم العدد :1070

 

آخر الأخبار
وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى إطار جامع تكفله الإستراتيجية الوطنية لدعم وتنمية المشاريع "متناهية الصِغَر والصغيرة" طلبتنا العائدون من لبنان يناشدون التربية لحل مشكلتهم مع موقع الوزارة الإلكتروني عناوين الصحف العالمية 24/11/2024 رئاسة مجلس الوزراء توافق على عدد من توصيات اللجنة الاقتصادية لمشاريع بعدد من ‏القطاعات الوزير صباغ يلتقي بيدرسون مؤسسات التمويل الأصغر في دائرة الضوء ومقترح لإحداث صندوق وطني لتمويلها في مناقشة قانون حماية المستهلك.. "تجارة حلب": عقوبة السجن غير مقبولة في المخالفات الخفيفة في خامس جلسات "لأجل دمشق نتحاور".. محافظ دمشق: لولا قصور مخطط "ايكوشار" لما ظهرت ١٩ منطقة مخالفات الرئيس الأسد يتقبل أوراق اعتماد سفير جنوب إفريقيا لدى سورية السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص