الثورة أون لاين – فؤاد مسعد:
ما بُني على صخر لا تقوى عواصف الدنيا على النيل منه أو زعزعته، فبعد حرب همجية شُنّت على سورية خلال السنوات العشر الأخيرة أثيرت العديد من التساؤلات حول إمكانية الاستمرار والعمل والإنتاج في مختلف الميادين، وسرعان ما سقطت المراهنات وجاءت الإجابة عبر العمل الدؤوب والمضي قدماً نحو الأمام في مختلف مناحي الحياة، لم يأت استمرار العمل والإنتاج من فراغ رغم شراسة الحرب، ولم نصل إلى مرحلة النصر والوقوف في وجه الأطماع من لاشيء، وإنما ذلك كله تم التأسيس له منذ أكثر من خمسين عاماً حين تم تكريس الفكر والنهج المقاوم الذي امتلك القدرة على الوقوف بقوة في وجه التحديات، كما امتلك الإيمان والإصرار على متابعة الحياة والعمل الدؤوب ليكون شعلة مضيئة وبوصلة لحراك متنوع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
هذه المسلمات لابد من إعادة التأكيد عليها مع الذكرى الواحدة والخمسين لقيام الحركة التصحيحية، النهج الذي نعيشه بإطار متجدد كل يوم ومع كل خطوة راسخة تسير قدماً نحو الأمام بعزة وكرامة، هو نهج استمر وتماشى مع عصر متسارع ومتنامي التطور.. فمسيرة البناء لم تتوقف، وما شهدته سورية من تقدم في مختلف المجالات مع بداية القرن الواحد والعشرين ما هو إلا برهان على ذلك، ويوماً بعد آخر يعلو هذا البنيان أكثر فأكثر ويشع ضياؤه في مختلف القطاعات، هذا النور الذي لم تنطفئ جذوته رغم كل محاولات قوى الظلام، فالسوريون بأطيافهم كانوا الأقوى والأبقى والأوعى، واليوم هناك مرحلة بدأت بالبناء والإعمار، بناء الإنسان والحجر، بكل ما تحمله تلك العبارة من عمق ودلالات وتحديات، هي ثقافة حياة وانتماء جذّرتها انتصارات وتضحيات ودماء شهداء سقت تراب الوطن، هذه الثقافة التي ما كان منها إلا أن زادت السوري إصراراً على العمل والإنجاز، وشكّلت حافزاً على النجاح بإرادة عالية سعياً إلى غدٍ يحمل معه الأفضل، فسورية التي تمتد جذور حضارتها إلى عمق التاريخ عمل مبدعوها دائماً وفي مختلف المجالات ليكون لهم دورهم الفاعل والمؤثر على خارطة الإنجازات المعاصرة.
النهضة الثقافية والفنية التي حدثت بعد التصحيح سارت بخطى حثيثة وقارعت بقوة حيث حظيت بالتشجيع والدعم، ولم تقوقع ضمن مسار محدد، وإنما شملت حراكاً ثقافياً طال مختلف المناحي، هذا الحراك الذي نتج عنه إنشاء العديد من الصروح الهامة من الأمس وحتى اليوم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر (إحداث المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1977، تأسيس المعهد العالي للموسيقا عام 1990، افتتاح مكتبة الأسد الوطنية عام 1984، افتتاح دار الأسد للثقافة والفنون عام 2004) وتطول القائمة نحو الكثير من الإنجازات التي ولّدت حراكاً ثقافياً في مختلف المحافظات السورية، وحتى في سنوات الحرب الأخيرة لم يخبُ المسار الثقافي، فقد ازداد عدد الأفلام التي أنتجتها المؤسسة العامة للسينما، وعلا صوت الموسيقا في المعاهد الموسيقية رغم قذائف الحقد، واستمر تصوير الأعمال الدرامية دون أن تأبه لمحاولات سحب البساط من تحت أقدامها.. هو غيض من فيض يشهد على مسيرة عطاء لا ينضب، ويعكس في أحد أوجهه حالة وطنية تكرس ثقافة مقاوِمة تغلّبت على الصعاب، والأمل اليوم بالعمل لاستكمال مسيرة البناء بتكاتف السوريين للمساهمة في عملية الإعمار