ثورة اون لاين: ظننت ذات زمن بعيد أن المعلومة التي قدمها أستاذنا غير صحيحة، وأن الفولاذ لا يقوى على خدش المرو «الكوارتز»، فحملت قطعة من المرو الحليبي اللون وقد حززتها بالسكين، فما كان من الأستاذ الكبير إلا أن نظر إليَّ بكثير من العطف والمحبة والرضا موضحاً أنني قد قمت بالكتابة على الكوارتز بالفولاذ كما يكتب التلميذ بقلم الرصاص على الورق أو بالطبشورة على اللوح الأسود.
أستعيد هذه الحادثة مراراً وأنا أتابع الكثير من التحليلات والرؤى والتصريحات التي يطلقها أكثر من طرف داخلي وخارجي ومحلي وإقليمي ودولي بشأن الأزمة في سورية المستمرة منذ أكثر من عام مضى.
فالأزمة وأسبابها تربتط بكثير من العوامل الخارجية الكثيرة والداخلية الأبرز تأثيراً، وأدواتها محلية في معظمها، لكنها تستند إلى مؤثرات خارجية أكثر فاعلية نظراً لرغبتها التاريخية في السيطرة على المنطقة ومقدراتها، كجزء أساس من مشروع السيطرة العالمي على مقدرات الشعوب كلها.
المشهد العام بحاجة إلى رؤية موضوعية وصحيحة تماثل الحالة التي ذكرتها عن علاقة الفولاذ بالكوارتز إذ إن أصحاب المخطط الكوني يسعون لتكريس النظرة الخاطئة وقلب الوقائع وتغيير الحقائق، معتمدين على قوة الماكينة الإعلامية التي تجاوزت حدود العشرة آلاف مؤسسة إعلامية مختلفة تنطق وتبث وتصور بأكثر من لغة، وتمارس حرباً نفسية مستغلة وقائع التاريخ السيئة لتعيد صياغتها أحقاداً وكراهية وتفريقاً بين أبناء الأمة الواحدة.
مضت الأزمة خلال العام الماضي بالوقوف على حافة الانهيار فالحكومة التزمت الكثير من ضبط النفس واللجوء إلى الحزم والتدخل العسكري والأمني في بعض الأحيان، فيما كانت المجموعات المسلحة تزيد حدود المواجهة استعاراً عبر المزيد من عمليات القتل والتخريب ونسف المؤسسات الحكومية وتفجير المرافق العامة وتنفيذ الكثير من عمليات الاغتيال، في ظل استمرار عمليات التهديد المباشر للمواطنين الآمنين وإجبارهم على التظاهر وإلا فإن القتل وإحراق البيوت ينتظر مصيرهم.
وفي الخارج تستمر دعوات القتل واللجوء إلى استخدام السلاح من جانب بعض الدول صاحبة المشروع أصلاً، والدول المنفذة وكالة فضلاً عن نزلاء الفنادق من بعض الشخصيات الحاقدة على الوطن السوري ووحدته وقيادته واستقراره.
وقد أثبتت السياسة الحكومية نجاحها من خلال التعاون الكبير مع المجتمع الدولي عبر الموافقة على مهمة مراقبي الجامعة العربية، ومبادرة كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة، والتزمت كلياً ببنودها جميعها وأوقفت النار وسحبت الآليات العسكرية الثقيلة من المدن لتسمح للمراقبين الدوليين ووسائل الإعلام بالوقوف على الحقائق كاملة.
إذ إن الصورة الواقعية ستجبر المراقبين والمتابعين على تقديم شهادات مهنية وفنية تؤكد وجود جماعات مسلحة ترتبط بمنظمات الإرهاب العالمي.
وبانتظار ذلك التقرير الذي سيوضح العلاقة ما بين الكوارتز والفولاذ ينبغي على أصحاب العقول إعادة النظر في مواقفهم ومراجعة سير الأحداث ليعرفوا أن الحفاظ على الأوطان يستلزم وجود رجال حقيقيين لا تلاميذ متدربين وهنا بيت القصيد.
مصطفى مقداد