ثورة أون لاين – علي نصر الله: كثيرا ما تلتقي في حياتك المهنية أنَّا كان القطاع الذي تعمل به أو تنتمي اليه بأشخاص لديهم ازدحام كبير بالأفكار التي اذا ما قدر لها أن تترجم الى الواقع فان من شأن ذلك أن يحدث أمرا عظيما ، غير أن هذه الأفكار وعلى الرغم
من أنها تلقى التأييد والاستحسان وينظر لها على أنها / فلتة / أفكار ابداعية تستحق كل الاهتمام وبذل الممكن لتنفيذها ، فانها تبقى مجرد / فلتة / نتندر بها في مجالسنا الخاصة والعامة ، ونتداولها بين الجد والهزل لندفنها بأيدينا ولنصيب أصحابها بحالة من الاحباط ما بعده من احباط لتتحول الحالة بالضرورة الى اليأس.
ويعتقد أنه لاستيعاب هذه الحالة بكل أبعادها وتجلياتها يكفي أن يحضر أو يطلع أحدنا على المحاضر السنوية لاجتماعات ومؤتمرات النقابات أو التنظيمات المهنية وما تتضمنه من اقتراحات وأفكار خلاقة تتكرر وتتكرر ثم لا تجد من يخرجها الى النور … لماذا ؟!.
لدى كل هذه التنظيمات أموال وأموال .. ايرادات ومساعدات من الدولة ، وبالمقابل لدى كل هذه التنظيمات ما يكفي ويزيد من الهموم ، وسلسلة لا تنتهي من المطالب لا يحتاج تحقيقها الا الى العناية بالأفكار والمقترحات المتصلة بآليات استثمار هذه الأموال وتدويرها في عمل يدعم خزينتها ويسهم في حل المشكلات والمطالب والهموم التي يتكرر طرحها في كل اجتماع ومؤتمر سنوي أو دوري .
دعونا نضرب مثلا : ما الذي يمنع نقابة المعلمين أو المهندسين أو الأطباء أو .. أو .. من أن تستثمر ، ما الذي يمنع كل التنظيمات والنقابات المهنية من أن تكون رجل أعمال رحيماً على أبنائه يوفر لهم السكن – مثلا – وليس هناك من قطاع لا يعاني العاملون فيه من هذه المشكلة ، ثم اذا انتهى من هذا الهم انتقل الى غيره .. ثم لينتقل الى سواه وهكذا الى أن يجد نفسه أمام فوائض مالية وحالة من الترف ستدفعه بالضرورة الى التفكير باستثمارات قد تجعله دولة داخل الدولة .
معلوم أن الاستثمار في أي مشروع / سكن ، نقل ، مزارع ، مسامك ، مولات ، صالات أفراح ، مطاعم ، فنادق ، شاليهات … الخ / هي استثمارات رابحة 100% تسهم بخلق فرص عمل متعددة ومتنوعة وتحل مشكلات حقيقية في المجتمع وتترك أثرا مهما في السوق وتحدث حركة اقتصادية مطلوبة ، وتبقى بعد هذا وذاك أصولا لها قيمتها المهمة تتيح للنقابة اذا ما تعثرت أن تقترض بضمانتها للنهوض مجددا أو لتطوير ما يحتاج تمويلا لا يتوفر لديها .
ندرك أن كل ما سبق ذكره هو ليس اختراعا للبارود ، وندرك أن عقبات تحول دون تطبيق ذلك قد تكون ادارية وقد تكون تشريعية ، لكن ارادة الفعل كفيلة بازالة كل العقبات أو تذليلها خطوة خطوة ، فقط الأمر يحتاج الى التصميم على الاقدام ، ذلك أنه من الثابت أن التعليمات الادارية والتشريعات ليست مقدسة ولم تكن يوما ترقى الى القدسية .. جميعها متغير بحكم الحاجة ، وكلها قابلة للتغيير جذريا اذا اقتضت الضرورة لأنها وجدت بالأصل لخدمة الأغراض التي كانت آنذاك – حين وضعت – طموحات وأهدافا .
في رحلات العمل والسفر والقراءة والاطلاع قدر لنا جميعا أن نطلع على تجارب الآخرين ، وقد قرأت في ملامح البعض من المسؤولين النقابيين والحكوميين علامات الاعجاب أثناء الاطلاع على بعض هذه التجارب في دول شقيقة وصديقة حتى خيل لي ولبعض الحضور أننا سنشهد فور عودتنا الى الوطن عزما وهمة لا يقف في مواجهتها أي شيء شروعا بعمل مهم في هذا الاتجاه أو ذاك .. غير أن شيئا لم يحدث !!.
في أجواء اقرار دستور جديد للبلاد وصدور تشريعات غاية في الأهمية لجهة تطوير العمل على كل الجبهات في سورية المتجددة تبدو أو تقف التنظيمات النقابية اليوم على المحك ، وهي مطالبة بعمل حقيقي له قيمة ومردود مباشر يفيد منه الأعضاء والاقتصاد الوطني ، ويكون لها الدور المؤثر والفاعل في المجتمع، وينبغي أن تحاسب من الآن على النتائج ، بل ربما نجد من يؤيد الدعوات الموجهة الى الحكومة بأن تسحب المكتسبات التي منحتها يوما لهذا التنظيم أو ذاك ( طابع نقابة المعلمين – مثلا – ) ما لم يثبت قدرته على استثمار حقيقي لهذه المكتسبات.
ali.na_66@yahoo.com
عن جريدة الثورة