الثورة أون لاين – فؤاد مسعد:
بعد معاناة صامتة مع الألم وصراع شرس مع المرض استطاع خلال تعاطيه معه كسب أكثر من جولة بفضل عزيمته وروحه المعنوية العالية، لدرجة أنه بعد كل انتصار كان يعود بإصرار أكبر إلى العمل، جاءت الجولة الأخيرة لتكون القاسمة والأقسى والتي ترجّل فيها الفنان زهير رمضان عن صهوة جواده بعد رحلة حافلة بالعطاء، حيث أعلن مساء أمس عن وفاة نقيب الفنانين في الجمهورية العربية السورية المبدع زهير رمضان عن عمر يناهز 62 عاماً (مواليد 1959) ، والراحل خريج المعهد العالي للفنون المسرحية وعضو نقابة الفنانين منذ عام 1983، انتخب لمنصب نقيب الفنانين السوريين عام 2014 وأعيد انتخابه عام 2020، كما انتخب لعضوية مجلس الشعب عام 2016، وسبق أن شغل منصب مدير مديرية المسارح والموسيقا، وكان مديراً للدورة الثانية عشرة من مهرجان دمشق المسرحي التي أقيمت في شهر تشرين الثاني عام 2004 بعد انقطاع دام ستة عشر عاماً.
ما إن انتشر الخبر المفجع حتى تجمهر عدد من الفنانين مساء أمس أمام مستشفى الرازي حيث توفى، هو الحب الذي زرعه عبر سنين طويلة من العطاء المثمر، فكان الراحل دائم الطموح حتى في قمة مرضه وألمه، متطلعاً نحو مشاريع يريد تحقيقها، لدرجة أنه لم يكن لديه وقت للموت فكيف غافله ونال منه؟ أحقاً للموت قدرة على إنهاء حياة مبدع معطاء؟.. سؤال يجيب عنه ما تركه من أعمال تشهد له إن كان عبر التمثيل أو عبر الإطار النقابي، حيث سعى لأن يعكس ثقافته وروحه وفكره وآلية تعاطيه مع الحياة عبر ما قدم، فكتب أسطر عطائه بأحرف من نور.
كما كان للراحل مواقفه الوطنية الثابتة التي أعلن عنها في أكثر من مناسبة وشكلت نبراساً لآلية عمله، ففي لقاء سابق له مع صحيفة الثورة عن دور نقابة الفنانين في مواجهة الهجمة الإعلامية الشرسة على البلد، قال: (لا بد أن نأخذ دورنا الريادي في مواجهة الهجمة الإعلامية الشرسة التي شاركت في سفك الدم السوري في الحرب على سورية، وعلينا في نقابة الفنانين كفصيل طليعي ومؤمنين بقضايا أمتنا وشعبنا وحريتنا واستقلالنا وسيادة قرارنا الوطني، مواجهتها بكثير من الأداء عالي المستوى والإحساس بالمسؤولية والشعور بالوطنية).
الفنان زهير رمضان الذي نعته كل من وزارة الإعلام ووزارة الثقافة ونقابة الفنانين، حُفِرت له في الذاكرة الكثير من الأعمال التي بدأها تلفزيونياً عبر مسلسلات كان أهمها حينها مسلسل (شجرة النارنج) عام 1989، وجاءت مشاركته السينمائية الأولى عبر فيلمين للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد (ليالي ابن آوى) عام 1989، و (رسائل شفهية) عام 1991 ليحقق من خلالهما نقلة هامة وحضوراً أوسع على الساحة الفنية، وضمن الإطار السينمائي كرس حضوره في عدد من الأفلام الأخرى، منها فيلم (الشراع والعاصفة) المأخوذ عن رواية للكاتب حنا مينه وسيناريو وإخراج غسان شميط، وفيلم (القسم) تأليف وإخراج سامي نوفل، أما في التلفزيون فقد تميّز في تجسيده للشخصيات بأنه طبعها ببصمته الخاصة وهوية أدائه، ممتلكاً القدرة على التنويع والإقناع، فكما قدم شخصية الإنسان النبيل كحال شخصية أبي لؤي في مسلسل (حارة المشرقة) قدم شخصية الفاسد الشرير في مسلسل (التحولات) والدور الكوميدي عبر شخصية المختار في مسلسل (ضيعة ضايعة) إضافة إلى العديد من الأدوار المتنوعة الأخرى ما فيها شخصية (أبو جودت) في (باب الحارة) التي زادت من شعبيته في الوطن العربي إلى درجة كبيرة، ومن الأعمال الدرامية التلفزيونية التي شارك فيها نذكر: (سكان الريح ، بسمة الحزن، الشريد، الجذور لا تموت، نهارات الدفلى، القصاص، الفراري، جواد الليل، حي المزار، البحر أيوب، ليل المسافرين، عمر الخيام، طيور الشوك، عصر الجنون، قيد التحقيق، الغدر، حكايا الليل والنهار، بانتظار الياسمين، بارود اهربوا، المصابيح الزرق، عطر الشام، لست جارية، خاتون، صدر الباز، وردة شامية، بروكار، ضيوف على الحب..).
إنه غيض من فيض لمبدع له مكانته في أفئدة من افتقدوه برحيله المُفجع، وإن كانت الكلمات في مثل هذه المناسبات تخون صاحبها، وغالباً ما تأتي أقرب للبعثرة ولكنها في مجموعها تشكل حالة حب ووفاء لمبدع كانت له بصمته الخاصة التي طبع فيها إنتاجاته الفنية.. رحمه الله، وعزاؤنا ما تركه من إرث خالد