ليس هناك أهم من رأس المال البشري للاستثمار به وإنجاز الكثير من الخطوات البناءة على مسارات عدة، واليوم أكثر ما تحتاجه البلاد هو هذا رأس المال، وخاصة بعد حجم النقص الكبير بالكوادر والخبرات المحلية الذي طال جميع مجالات العمل في القطاعين العام والخاص خلال سنوات الحرب العدوانية على سورية.
هي تداعيات ليست بالقليلة، ولها تبعات سلبية كثيرة انعكست وما تزال تنعكس على مختلف قطاعات الإنتاج، الأمر الذي يستدعي التنبه إلى الاستفادة من كل طاقة بشرية متوافرة حالياً سواء علمية أم مهنية أو خبرات عملية أو غير ذلك وتشجيعها لتصب جميع هذه الجهود في مكان واحد يؤدي إلى حالة نهوض متكاملة على جميع المستويات بعد ما تعرضت له مختلف القطاعات من أضرار وتخريب وخسارات نجمت عن الاعتداءات الإرهابية.
هذا الأمر يتطلب توفير ظروف مناسبة وتهيئتها لجذب الكوادر البشرية بوصفها الرأسمال الأهم ودفعها باتجاه مجالات العمل المختلفة، وهذا لن يتحقق في وقت نشهد فيه تراجعاً كبيراً في حجم أعمال مختلف الفعاليات الحرفية والاقتصادية والتجارية والإنتاجية بسبب عدم توافر الطاقة الكهربائية والانقطاعات المستمرة، إلى جانب عدم توافر المشتقات النفطية وارتفاع أسعارها، بحيث أصبح كل عمل ينجز شبه خاسر في ظل هذه الظروف الحالية.
إن إنعاش الحياة الاقتصادية بالبلاد لا يحتاج إلى الكثير من الدراسات والقراءات، لأن المعادلة محسومة الآن لمصلحة تجار الأسواق السوداء في كل شيء، ما أدى إلى التأثير في أصحاب الإنتاج الحقيقيين الذين بدؤوا بالانسحاب تدريجياً من سوق العمل، والأسباب واضحة وترتبط مباشرة بحوامل الطاقة والمشتقات النفطية، والتلاعب الحاصل في الأسواق اليوم.
هذا التراجع في حجم الأعمال بمختلف المجالات أدى إلى التخلي عن أعداد كبيرة من الأيدي العاملة، إلى جانب تراجع مستويات الدخل في القطاع العام وبعض أعمال القطاع الخاص، الأمر الذي ترك كوادرنا البشرية المؤهلة والخبيرة أمام مواجهة غير عادلة في البحث عن لقمة العيش، ما دفع بالبعض منهم للبحث عن فرص عمل خارج البلاد.
هذا الواقع اليوم لا يحتمل الانتظار كثيراً في وقت نشهد فيه تسرباً بالأيدي العاملة والخبرات والكفاءات المهنية والعلمية، وما نسمعه من نقص كبير في الكوادر الطبية والتمريضية مثلاً أو في عدد مدرسي بعض الكليات العلمية أو النظرية، إلى جانب النقص في عدد العمال والفنيين في بعض الشركات العامة.
إن كل طاقة بشرية تخسرها البلاد اليوم تحتاج إلى أكثر من عقدين من الزمن لتعويضها، وفي ظروفنا هذه نجد أن الوقت لا ينتظر لنعيد بناء كوادر بشرية جديدة فيما نمتلك منها الكثير لكنها غير قادرة على العطاء.
على الملأ- بقلم أمين التحرير محمود ديبو