ليس بكاءً وحزناً على ما كان يعتلج في صدور الشعراء عند وقوفهم على الأطلال، بل هو التعلق والحنين والارتباط بالمكان ومن سكن المكان، هذا التعلق الذي يتحول بمرور الزمن إلى قيمة ودلالة تشكّل لديه عالماً من القدسية والمرجعية التي يستمد من جذورها الغارقة في القدم قوة وانتماء وامتداداً حيوياً للاستمرار ومتابعة البناء، ليتحول بفعل التقادم إلى جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية.
وليس بعيداً ما قدمه السوريون في معرض”إكسبو دبي” من عروض تعريفية بكنوز التاريخ السوري، ونقل صورة مشرقة عن حضارة سورية وعراقتها، ما يؤكد أن تراث أي أمة هو هويتها ووجودها الحي، وهو البوتقة التي تنصهر فيها كنوز المجتمع الثقافية والحضارية، وهذا بدوره يدفعنا جميعاً أفراداً ومؤسسات للحفاظ على تراثنا المادي منه وغير المادي، لأن في ذلك صون واحترام لثقافتنا وهويتنا.
وبالأمس القريب غادرنا فنان كبير بحجم وطن”صباح فخري”، استطاع في مسيرته الفنية الطويلة أن ينقل جزءاً كبيراً من التراث السوري إلى العالم، ضمنه الكثير من معالم سورية الحضارية عبر الصوت واللحن والكلمة، فكان سفيراً حقيقياً لبلده، وفياً لتراثه والقيم التي يحملها، لإيمانه بأن من يضيع تراثه الحضاري والفكري، تضيع هويته، وخصوصاً أننا في عصر الانفتاح والتكنولوجيا وعصر الهيمنة والعولمة التي تشكّل الخطر الأول والأشد على تراثنا بأشكاله كافة.
في جعبة بلادنا الكثير من إرث الأجداد الثقافي والقيمي والمجتمعي والتاريخي، وهذا بدوره من أهم عوامل التماسك الاجتماعي الذي يعزز الشعور بالانتماء، فحضارتنا وثقافتنا وهويتنا واحدة، وما أحوجنا اليوم لهذا التماسك للوقوف في وجه الطامعين الذين يسعون إلى تشويه تاريخنا واختراق ثقافتنا، والشواهد كثيرة، وليس آخرها ما كان من تدمير وسرقة للكثير من آثار سورية.
لا شك أن جهوداًً كبيرة تبذل من أجل صون التراث، ولكن المسؤولية يجب أن تمتد لتشمل كلّ فرد من هذا الوطن، فهي واجب وطني يضطلع به الأفراد والمؤسسات التعليمية والثقافية والمجتمع المدني من أجل حفظ وصيانة الإرث التراثي المهدد بالاندثار.
رؤية -فاتن أحمد دعبول