الثورة – هفاف ميهوب:
يرى الناقد والمفكر البريطاني “تيري انغلتن”، بأن كلمة الثقافة هي مفهومٌ متعدّد الأوجه، ذلك أنها: “مفردة معقّدة على نحوٍ استثنائي، قد تعني تراكماً من العمل الفنيّ والذهني، الصيرورة التي يحصل بها الارتقاء الروحاني والفكري، القيم، العادات، المعتقدات، الطريقة الكليّة المعتمدة في الحياة..”..
إنه جزءٌ من تعاريفٍ كثيرة قدّمها، ساعياً إلى تبيان حقيقة هذه المفردة التي لا يُخفى على أيّ مثقف، مقدار ما تحوي من معاني الارتقاء والأخلاق.. فمن يشغل ذهنه في التفكير والإبداع يرتقي، ومن يرتقي هو حتماً إنسان حكيمٌ وحضاري..
إذاً.. الاحتفاء بالثقافة لا يعني فقط، تكريم المبدعين من العاملين في جميع حقولها، ولا تقديم الأمسيات والمحاضرات والعروض الفنيّة المتنوعة، التي تلقي الاهتمام على ما قدمه هؤلاء على مدى اجتهادهم وسعيهم لرفع شأنها.. الاحتفاءُ وقبل كلّ شيء، هو احتفاءٌ بهذه الكلمة.. الثقافة، التي هي تهذيب للنفس والفكر والروح والحياة، بل التحضّر الذي يميّز البلد الذي يسعى أبناؤه للنهوض بثقافته ومفرداتها، مثلما يمكّنهم من مواجهة كلّ القوى المهيمنة والمدمّرة، التي تسعى لاستلاب هذه الثقافة وإخضاعها وانحطاطها.
نعم، هذا ما يعنيه الاحتفاء بالثقافة، وإن كنا اليوم نحتفي بأيام الثقافة السورية، فهذا يعني أننا نكرّم الكلمة المبدعة التي برع أدباء وكتّابٌ في إعلاء مكانتها وتبيان أهميّتها، وبأننا نكرّم أيضاً، اللحن والصورة والعرض والأداء، وسوى ذلك مما يسمو بالأخلاق والقيم والمعتقدات التي من واجب الثقافة إخضاعها للرؤى الروحانية ـ التنويرية، لا تركها للنزاعات والمهاترات التي يستغلها ويحرضها، أصحاب الآراء والأفكار الهدامة والظلامية.
ما يهمّ هنا، وما يُلفت في هذه الأيام التي نحتفي فيها بثقافتنا السورية، شعورنا بأن هذا الاحتفاء هو رسالة يراد منها أن يعرف العالم أجمع، بأننا ورغم الحرب والحصار والضغوطات التي شنّت علينا بهدف تغييبنا عن حقيقتنا وتشويه أبجديّتنا، ما زلنا نحتفي بالكلمة، اللحن، الفن، اللوحة، الأداء، وسواهم من وجوه الثقافة التي لم يعد يُجدينا سوى التسلّح بها، في زمنٍ كثرت وتطوّرت وانتشرت فيه أسلحة الغزو الثقافي.. تلك التي كانت بالغة الخراب والتشويه والاستلاب، للذهنيّة المعرفية والثقافية.