الثورة _ ريم صالح:
تتجه الأنظار الدولية غداً إلى العاصمة النمساوية فيينا، حيث من المقرر أن تعقد الأطراف المعنية بالاتفاق النووي الإيراني جولة جديدة لإنقاذ الاتفاق، وقد وصل فريق التفاوض الإيراني بقيادة علي باقري كني إلى العاصمة النمساوية، وعقد اجتماعات ثنائية وثلاثية اليوم الأحد على مستوى الخبراء مع رؤساء فريقي التفاوض الروسي والصيني، وكذلك مع منسق الاتحاد الأوروبي إنريكي مورا، وذلك قبل استئناف المباحثات.
المحادثات النووية في جولتها السابعة بعد انقطاع دام خمسة أشهر، ستجرى بشكل مباشر بين طهران من جهة، وألمانيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة وروسيا من جهة أخرى، ومن المقرر أن تشارك الولايات المتحدة في المباحثات بشكل غير مباشر، إذ يتولى موفد الاتحاد الأوروبي التواصل مع كل من المبعوث الأميركي المكلّف بالملف الإيراني، روبيرت مالي، والوفد الإيراني الذي يرفض لقاء ممثل الولايات المتحدة وجهاً لوجه.
إيران المتمسكة بحقوقها المشروعة، ربطت نجاح هذه الجولة بمدى التزام الأطراف الغربية بالتزاماتها التي تخلت عنها سابقاً، فأميركا هي من انتهكت الاتفاق وانسحبت منه، والدول الغربية سارت على خطاها بعدم تنفيذ التزاماتها بموجب الاتفاق المبرم عام 2015، رغم أن هذه الدول كانت تدعو باستمرار للحفاظ على الاتفاق النووي، ولكن في التصريحات الإعلامية فقط، ولطالما تماهت هذه الدول مع الولايات المتحدة في انتهاكاتها للاتفاق، وبحال عودة تلك الدول لالتزاماتها الكاملة، وفي مقدمتها رفع الحظر الكامل عن إيران، كما نص عليه الاتفاق، فيمكن أن تتمخض هذه الجولة عن نتائج إيجابية.
وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان كان قد دعا الدول الغربية إلى المشاركة في المفاوضات بنهج جديد وبناء، مؤكداً أن التوصل لاتفاق جيد وفوري يتوقف على استعداد الطرف الآخر للعودة إلى التزاماته كاملة ورفع الحظر عن إيران.
وقال خلال اتصال هاتفي مع مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عشية انعقاد هذه الجولة: “على الرغم من نكث الولايات المتحدة والدول الأوروبية فرنسا وبريطانيا وألمانيا لتعهداتها في الاتفاق النووي سنحضر محادثات فيينا بحسن نية وجدية، ونريد اتفاقاً جيداً يمكن التحقق منه” مشيراً إلى أن العودة إلى الاتفاق النووي تعني عملياً الالتزام بجميع بنوده ومضمونه، وشدد في الوقت ذاته على ضرورة أن تكون هناك ضمانة قوية وكافية بأن الولايات المتحدة التي لا يمكن الوثوق بها لن تنسحب من الاتفاق النووي مرة أخرى، لافتاً إلى السلوك المتناقض للأمريكيين وتضارب أقوالهم وأفعالهم.
إذا الكرة الآن هي في الملعب الغربي، وعلى الدول الغربية أن تثبت حسن نياتها بالمسارعة إلى رفع كامل العقوبات عن إيران كخطوة أساسية، لعودة إيران عن الخطوات التي اتخذتها لتخفيض التزاماتها رداً على انتهاك الولايات المتحدة للاتفاق النووي، وعدم التزام الدول الغربية بتعهداتها، ولكن المشكلة هي أن الولايات المتحدة مازالت تراهن على سياسة الضغط والابتزاز لمحاولة انتزاع تنازلات من إيران، رغم أن هذه السياسة أثبتت فشلها، حيث استبق المبعوث الأميركي الخاص لشؤون إيران، روبرت مالي، جولة المحادثات بقوله إنّه من المرجح أن تُمارس الولايات المتحدة وشركاؤها ضغوطاً على إيران إذا استغلت محادثات فيينا، كذريعة لتسريع برنامجها النووي حسب زعمه، متناسياً أن إيران أثبتت للعالم كله أن برنامجها النووي هو للأغراض السلمية فقط، حتى إن تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أثبتت هذا الأمر أكثر من مرة.
من دون شك فإن سياسة الضغوط الأميركية ستفشل مجدداً، لاسيما وأن طهران أعلنت بشكل واضح بأن جولة فيينا الجديدة لن تكون حول القضايا النووية، فهي قضايا قد تم الاتفاق عليها سابقاً وبالتفصيل، لذلك سينصب البحث حول إلغاء الحظر المفروض على إيران بجميع أشكاله، وعودة الأطراف الأخرى إلى التزاماتها، وليس هذا فحسب، بل يجب أن تكون هناك ضمانة قوية وكافية بأن أمريكا لن تنسحب من الاتفاق النووي مرة أخرى.
وأمام الإصرار الإيراني على ضرورة الوصول إلى اتفاق يحفظ مصالح وحقوق الشعب الإيراني بالتوازي مع احترام الولايات المتحدة والدول الأوروبية تعهداتها المنصوص عليها في الاتفاق، بات على الطرف الغربي أن يسلم بالحقوق الإيرانية المشروعة، وأن يشارك في الجولة الجديدة بطريقة جدية وموضوعية بعيداً عن لغة القوة والضغط والابتزاز، وهذا وحده يضمن النجاح لجولة فيينا القادمة، بما يصب في النهاية بمصلحة الأمن والاستقرار الدوليين