الثورة – سلوى إسماعيل الديب:
“احتلت المرأة مكان الصدارة في الدراسات النفسية والاجتماعية الحديثة وشغلت حيزاً كبيراً في القصة والرواية والمسرح والمقالة..ولكن المساحة التي شغلتها المرأة من أرض الشعر مساحة فسيحة شاسعة ولاسيما الشعر العربي، فمن فاطمة وعبلة ومية وبثينة وعزة وليلى وعفراء إلى غلواء..، لا تزال المرأة سيدة الدواوين، وربة الشعر ومليكة القوافي وملهمة الوحي ومادة الصورة وغذاء الرمز” بهذه الكلمات افتتح الدكتور قصي الأتاسي محاضرته التي حملت عنوان “من صور المرأة في الشعر العربي الحديث” في رابطة الخريجين الجامعيين في حمص بحضور عدد كبير من أعضاء الرابطة والمهتمين بالشأن الثقافي.
فطرح العديد من صور المرأة في الشعر العربي الحديث سنقتطف منها بعض الصور:
في الصورة الأولى المرأة المثال الموحية ، ربة الشعر الملهمة، ذلك الكيان النوراني، الملائكي الأثيري، الذي يهرب من كل تجسيد وتشخيص ويستعصي على الرسم والحصر والتأطير، ويأبى أن يلمس بيد أو يرى بعين أو يضم إلى جسد ، إنها المعبود الذي يسبح له ويصلي في محرابه، ويثير ذكره التهويم والتحليق على أجنحة من نور في بحر من الوجد الصوفي والنشوة الخالصة .
فقال أبو القاسم الشابي بمحبوبته:
عذبة أنت كالطفولة كالأحلام كاللحن كالصباح الجديد
كالسماء الضحوك كالليلة القمراء كالورد كابتسام الوليد
تناول الأتاسي في صورة أخرى تختلف أيما اختلاف عن الأخرى وتبتعد عن الصورة السالفة، فالمرأة هنا كيانٌ بشري إنسي حسّي حيّ ويهب الحياة ويدفئ الدماء الباردة وينقذ الأعصاب المحطمة..
فنرى بعد يوم وليلة نعم بهما وصفي قرنفلي في ربوع دجلة بين أحضان الجمال الحاضر المتحقق المتجسد يغني لحسنائه (مادون):
مادون تلويحٌ بقبله زادُ الغريب وما أقلهْ
مادون هذي كبرياء الشعر بين يديك ذلهْ
الشاعر هنا يشدو لحن الفرح، بلقاء الجمال الذي تجسد عيناً وشفة وجيداً وخداً وقواماً رشيقاً، تصدح حركاته بالألحان ، والشاعر هنا لا يعاني قهراً..
أما الصورة الثالثة للمرأة في الشعر الحديث: فهي صورة تبدو فيها المرأة كائنا مسحوقاً مدمراً لا حول له ولا قوة ، فليس له إلا التسليم والإذعان والانتظار السلبي الحزين ، لما يجود به الفارس الرجل من حب وحنان أو عطف أو رضاـ إنها كائن ينتسب إلى الجنس الأنثوي المغلوب على أمره تجاه الجنس القوي الحاكم بأمره..
عارية القلب رجعت إليك
عارية القلب أتيتك يا متعالي يا نائي الدار
يا غائب يا أبديّ الصمت
في نهاية المحاضرة كان العديد من المداخلات أخذنا بعضاً منها:
أشارت “روندا منصور” لإصابة الباحث ثلاثة أهداف هي :الأول الإمتاع من خلال اطلاعنا على صورة المرأة في الشعر الحديث، بكافة أبعادها وصورها، والثاني هو تاريخ الندوة الموافق ويوم العنف ضد المرأة حيث ذكر صورا للمرأة الضعيفة المهانة..
والأمر الثالث وهو ذكره محمود درويش ونظرته بأن المحبوبة هي فلسطين وفلسطين هي المحبوبة.
ووجه الشاعر نبيل باخص بعض الأبيات الشعرية للأديب قصي الأتاسي، وأشار لدور الأتاسي بتغيير مجرى حياته من الطب والهندسة إلى دراسة اللغة العربية .
وأكدت فاطمة سلايمي أن اللغة العربية لا زالت بخير وأن الأتاسي أشعرنا بجمالها، بجمال إلقائه وروعة حضوره ..
وكان قد تحدث الأديب عيسى إسماعيل عن تجربة الأتاسي في بداية المحاضرة، قائلاً: ” قصي الأتاسي شاعر وباحث لغوي وأدبي ومترجم من مواليد حمص 1931، يحمل إجازة في الآداب قسم اللغة العربية من الجامعة السورية “دمشق” 1953 ودبلوم تربية 1954و دكتوراه في الترجمة من جامعة “جنيف”، عمل مدرساً في ثانويات حماة وحمص ومرجعيون “لبنان” وفي المملكة المغربية..الخ، يكتب الشعر والمحاضرة والمقالة والدراسة والخاطرة .
صدر له: لهاث السؤال شعر وفي الترجمة العديد من الكتب .