ثورة أون لاين – رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
فرض الحديث عن الإرهاب حضوره على الطاولة السويسرية بهويتها الأممية، ولم تنفع المداورة السياسية في استبعاده، ولا لغة النفي والرفض في تأجيله، رغم المساحة الهائلة من المحاصصة السياسية والمبازرة التي كانت تتم على حساب أرواح السوريين بأمر عمليات أميركي متحرك، وبرعاية أممية انتقائية.
لسنا بوارد الحديث في الاستنتاجات التي تروّج لها أمزجة وعقول وتمنيات مرتزقة، في جزء منها بمرتبة دول، وبعضها يطلَق عليها صفة العظمى، لأنه من الثابت اليوم أن الإرهاب ليس عملة للترويج السياسي، ولا يصلح تحت أي عنوان للابتزاز والمساومة الحاضرة في كل التفاصيل التي تلقنها الإدارة الأميركية والرعاة الإقليميون لممثليهم داخل القاعة الأممية وللناطقين باسمهم خارجها.
ورغم حالة الفلتان السياسي والإعلامي التي يتسابق فيها الرعاة والمرتزقة على حد سواء، لم يكن من المتاح لهم تعويم الحالة الهلامية للمشهد وهو يصطدم بالعثرات ذاتها، وما عجز عنه المرتزقة داخل القاعة وخارجها، لم يكن بمقدور فورد الذي دخل على خط السباق الإعلامي بعد طول غياب أن ينجد مرتزقته من المستنقع السياسي الذي غرقوا فيه، وحتى استعانته بالمبعوث الدولي لم تنفع في تدوير الزوايا لتسويق ما يبدو عصياً على التسويق.
اللافت أن جنيف في جولته الثانية يراكم الملفات.. ما بطل منها وما استجدّ.. على طاولة لم تعرف الاستقرار، ولا يبدو أنه يراد لها ذلك في المدى المنظور، على وقع التناقضات التي تكاد تخرجها من جلدة الصبغة الدولية وتداعياتها، لتدخلها في زواريب الحسابات والمناكفات التي تجعل الصمت حيالها انحيازاً فاضحاً.
الأصوات التي تعلو في الحديث عن خطر الإرهاب ليست قادمة من الفراغ، ولا هي لتعبئة الشواغر الناتجة عن اتساع مساحة المماطلة والمراوغة، بل مثلت إضافة غير مدرجة في المعادلات الأميركية، ولا هي محسوبة حين لوحت أميركا بعصا مجلس الأمن.
فالرسائل التي تعمّدت أميركا أن تكون مترافقة مع التلويح افتراضياً بالعصا، أجابت عليها روسيا برفعها واقعياً عبر الاحتكام إلى مجلس الأمن في مكافحة الإرهاب، وهو احتكام ناورت واشنطن طويلاً للحيلولة دون وصوله إلى مقاصده، بل أغلقت دونه الباب حتى في النقاشات الجانبية.
قبل هذه وتلك كانت الرسائل الجوابية السورية تتوالى تباعاً، بدءاً من الرد على انتقائية مرتزقة القرار الأميركي، وليس انتهاء بحصار محكم لمناورات المبعوث الأممي، مروراً بحائط الصد السياسي والإعلامي والدبلوماسي الذي تحوّل إلى جبهة مبادرات، أثمرت انتزاع إدانة من بان كي مون لمجزرة معان لم تكن واردة في الحسابات الاميركية، ولا هي على أجندة مرتزقته، ورغم أنها غير كافية لكنها أحدثت اختراقاً في الجدار الأممي، الذي بقي صامتاً وموارباً في إدانة مجازر الإرهابيين الذين يدافع عنهم وفد الائتلاف المسمى المعارضة، كما يتم تبنيهم من سادته السياسيين وأولياء نعمته في التمويل والتسليح.
الفارق الإضافي أن ما سجلته مداولات الجولة الثانية، حتى الآن، يفتح الباب على اجتهادات تهدد المؤتمر الدولي، ولا تزال تدفع بعجلاته نحو انزياح خطير تطول مفردات ما هو معمول به في سياق التجارب الدولية، حين تتحول «الحيادية» الأممية إلى ورقة للمبازرة السياسية على الطاولة الأممية ذاتها، وهي تسجل سابقة في العرف التفاوضي الذي يواجه حائطاً مسدوداً تطول أوجاع الاصطدام به رأس المبعوث الأممي.
يستطيع جنيف أن يفرد ما يشاء من الاستنتاجات الجانبية، وبمقدور الهرولة السياسية والدعائية أن تواصل لهاثها وهي تخوض سباق النقاط الافتراضية، لكنه لن يتمكن من تجاوز وقائعه العملية التي ثبتت في حلبة الصراع الدولي مكافحة الإرهاب بنداً رئيسياً، وفتحت نوافذه أمام مجلس الأمن ليضع النقاط على الحروف.
سيعود جنيف إلى دفاتره قبل أن يغلق قاعاته ليسجل ومن بداية السطر الأول: كما كان الميدان السوري موضع اختبار أضاف كامل رصيده إلى الحساب الوطني، ها هي نزالات القاعات السويسرية في السياسة والدبلوماسية والإعلام تراكم من ذلك الرصيد بجولاته الماضية والحالية، وهي تعيد تسييج الوطن بالقناعة الأكيدة أن البداية من دمشق انطلقت.. وفي دمشق ستحط رحالها في نهاية المطاف، ليكون من يتحدث باسم السوريين هم فقط السوريون في الانتماء, لا المزيفون أو المدّعون وأشباه الساسة والمشتبه عليهم في السياسة.
a.ka667@yahoo.com