الثورة – تحقيق – جهاد اصطيف – حسن العجيلي :
حرصت سورية على الدوام اعتماد سياسات الدعم لمساعدة مواطنيها ، التي تشمل العديد من السلع الاستهلاكية الأساسية والمحروقات ومختلف الخدمات ولو بدرجات متفاوتة، وعلى ما يبدو الآن فقد يكون الدعم موجهاً – حسب الحكومة – ليس لشرائح معينة وإنما التخفيف منها لسد الفجوة الكبيرة الحاصلة نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي نمر بها حاليا، وتالياً لتخفيف أعباء الميزانية الضخمة التي تتكبدها الحكومة نتيجة الدعم الحالي.
*تجارب..
وقبل الخوض في الحديث عن هذه المسألة التي كانت غائبة عن أذهان الكثيرين، ولأننا لا نريد المقارنة أو أن نقيس تجربتنا بالدعم مع أية دولة أخرى لأسباب عديدة أهمها الحرب العدوانية التي شنت علينا والنتائج الكارثية التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه الآن من تدمير ممنهج لبنيتنا التحتية ومحاصرتنا اقتصادياً وغيرها الكثير من الأسباب، يمكننا القول إن سياسة الدعم لدينا كانت فيما سبق تبدو منطقية دون استثناء، أما الآن وفي ضوء الوضع الحالي وما نسمعه عن إجراءات ودراسات وقرارات قد تصدر عن الحكومة فيما يخص مسألة الدعم وتخفيض الشرائح المستهدفة، أمر بحاجة إلى وقفة مطولة عندها.
* لمن يتوجه الدعم؟..
ولعل معظم الآراء التي طرحت ممن التقيناهم ليحدثونا عن هذه المسألة أجمعوا بداية أن سياسة الدعم القائمة في بعض الدول على سبيل المثال، موجهة للطبقة المحتاجة فقط، إذ تمنح قسائم شراء خاصة بالمواد الغذائية الأساسية، وهي غير قابلة للاستبدال بمواد أو خدمات أخرى، كما لا يمكن تحويلها إلى نقود، إلى جانب الدعم الخاص بالسكن أو الرعاية الصحية والدعم المخصص للعاطلين عن العمل الذين يجددون بياناتهم شهريا، للحصول على دعم أو منحة، أو ما شابه ذلك..
وهنا نود التأكيد ان الدعم لا يقتصر في تلك الدول على طبقة اجتماعية معينة، بل هناك دعم يخص المنتجين والمصدرين والمزارعين، فضلا عن تقديم بعض الإعفاءات الضريبية والجمركية، للحفاظ على العمال والعملة الوطنية وحماية الصناعة المحلية وهذا ما زال يعمل به لدينا في الكثير من جوانبه.
*أثر سلبي على المهن العلمية..
– ويرى المهندس جمال شبلي أن ما يتم توصيفه بمصطلح الدعم يقع بحقيقة الأمر تحت بند الحقوق العامة فعندما يكون كل الشعب ( الشعب بكل شرائحه ) مطالبا بأن يؤدي واجباته تجاه الدولة والمجتمع عندها يصبح الدعم حقا للجميع لأن الجميع يساهم في بناء الدولة ونهوضها والدفاع عنها وكل حسب مستوى دخله، فالذي يبيع عقارا ويدفع ضريبة البيع قد تساوي راتب موظف لعدة سنوات فهو بهذا يساهم في خدمة بلده ومجتمعه وليس من العدل أو المنطق أن أقول لهذا المساهم بأنك لا تستحق الدعم وقس على ذلك جميع الحالات التي تدخل لصندوق الدولة المورد الأكبر، وبالتالي فإن من المصلحة الوطنية وحماية للعقد الاجتماعي يجب أن يستمر الدعم للجميع.
وحول ما يتم تداوله عن إلغاء الدعم عن شرائح من المواطنين وخاصة بعض ممارسي المهن العلمية يوضح المهندس شبلي بما يخص مهنة الهندسة بأن مهنة الهندسة وعمل المهندس في سورية في الظروف الراهنة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بإعادة الإعمار وبسبب الحصار الأمريكي والغربي الظالم على وطننا سورية فإن هناك إعاقة لإعادة الإعمار وبالتالي فإن عمل المهندسين في أصعب ظروفه وشبه متوقف منذ أكثر من أحد عشر عاما” بسبب الحرب العدوانية والإرهابية على سورية، مضيفاً بأن الأمر يندرج كذلك بشكل أو بآخر على باقي المهن العلمية كالأطباء والمحامين … إلخ ، مختتماً بالقول : أرى أن يكون مصطلح الدعم هو حق للجميع وهذا يخدم الفقير أكثر من الغني وسيجعل الغني مساهماً بشكل رضائي بتأدية واجباته تجاه الدولة وتجاه المجتمع وهذا سيزيد في تعزيز الروابط الاجتماعية والإنسانية.
*معيار نظري..
– ويبيّن المحامي “إبراهيم بدور ” أن ما تضمنته الوثيقة المسربة بخصوص الشرائح التي ستستثنى من الدعم والصادرة عن اللجنة الاقتصادية أنها اعتمدت معياراً نظرياً في مسألة معيشية هامة ذات أبعاد متعددة اقتصادية واجتماعية وإنسانية، كما أنها أي – اللجنة – اعتمدت مبدأ التعميم لجهة عدم حاجة جميع أفراد الشرائح المذكورة للدعم، وهذا فيه الكثير من الإجحاف والظلم ولا يتفق مع الحقيقة والواقع، مضيفاً بأن أغلب الشرائح المذكورة هي منظمة وتنضوي تحت إطار إما نقابة أو اتحاد أو غرفة، بمعنى أنها تنتمي لجهة عامة أو خاصة، وبالتالي يجب على هذه الجهات ان تتحمل مسؤوليتها في الدفاع عن حقوق ومصالح أعضائها ، مؤكداً على دور تلك الجهات بالتحرك سريعاً والمبادرة إلى تقديم الايضاحات اللازمة للجنة الاقتصادية ، وبيان أن اعتماد هذا الأساس من الناحية العملية غير صائب وله آثار سلبية ستطال أعدادا كبيرة من منتسبيها.
ويضيف المحامي بدور قائلاً : من الواضح أن هناك دراسة ومشروع قرار لدى الحكومة بشأن موضوع الدعم يتم الإعداد له، وكلنا متفقون على ضرورة ايصال الدعم للمستحقين ولكن من خلال أسس ومعايير موضوعية وواقعية عادلة تراعي أوضاع المواطنين وأحوالهم وتحافظ على كرامتهم.
*رفع الدعم تدريجياً..
يقول ” نهاد ” موظف متقاعد إن كان ولا بد ينبغي رفع الدعم تدريجيا بالموازاة مع تحسن الأجور ورفع مستوى القدرة الشرائية لدى المواطنين، ويستحسن أن تبدأ بمادة واحدة فقط للكل دون استثناء، نستطيع من خلالها بناء قاعدة بيانات، أما في حال رفع الدعم عن فئات محددة ، فتلك قد تكون مغامرة نوعا ما.
* ” حسام ” أعمال حرة يقول: لا شك أن الإنفاق الحكومي الكبير والمقدر بالمليارات والموجه لسياسة الدعم الشامل، يحمل ميزانية الدولة مبالغ مالية كبيرة سواء بالعملة المحلية أو بالعملة الصعبة، على حساب الإنفاق على البنية التحتية، والصحة والتعليم والزيادة في الأجور، مما ينتج عنه عجز مالي، يحول دون رفع القدرة الشرائية وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، والسؤال هل هذا هو السبب الأساسي لاتباع الحكومة خطوات جديدة في سياسة الدعم ، وإن كانت كذلك فلتكن الأسس التي ستتبع قبل استبعاد أي شريحة أو نسبة من أي فئة أو قطاع أو مهنة معينة واضحة وشفافة و بعيدة عن المزاجيات؟.
* فيما عبرت ” مريم ” ، عن خشيتها من الأمر قائلة إنها كارثة بالفعل إن وقعت، نحن نكافح بشتى الوسائل لتغطية نفقاتنا اليومية مع الأسعار الجنونية الحالية المرتفعة..
* كما يخشى ” أحمد ” متقاعد الذي لا يتجاوز معاشه الشهري ١٠٠ ألف ليرة بعد الزيادة الأخيرة أن ترتفع أسعار المواد بعد اتخاذ مثل هذه الخطوات، لأن المواطن لدينا اعتاد على الأمر، ففي كل زيادة أو اتخاذ إجراء تقوم به الحكومة من هذا القبيل، تكون الأسعار هي سيدة الموقف وتنتصر على حساب المواطنين ، ويرى أن إلغاء الدعم لا ينبغي أن يكون غاية في حد ذاته، بل وسيلة إضافية لإصلاح الإنفاق العام.
* حلول مقترحة..
وعود على بدء فإن معظم ممن التقيناهم وتحدثوا لنا عن مسألة رفع الدعم عن شرائح معينة من عدمها قدموا مقترحات عدة منها ، إنشاء قاعدة بيانات تتضمن إحصائيات دقيقة لقوائم المستفيدين الحقيقيين من الدعم، وإقصاء من ليس لهم الحق في ذلك، دون تهميش طبقة على حساب أخرى، وهذا يتطلب جهدا كبيرا ومدة زمنية طويلة، فرفع الدعم تدريجيا يستهل بمادة واحدة، كمرحلة أولى وتعويضها بزيادة الدخل للطبقات الأكثر فقرا بأي شكل ترتأيه الحكومة، والترويج للسلع الوطنية، ووقف الاستيراد من الخارج للحفاظ على المنتوج المحلي، ورفع قيمة الليرة السورية، فهذا سيؤدي إلى تحسين القدرة الشرائية للمواطن، والمستوى المعيشي بشكل عام.
* خلاصة القول..
لا شك أن إنفاق الحكومة على الدعم الشامل الموجه لكل شرائح المجتمع قد يصل إلى نسبة كبيرة من الناتج المحلي، الأمر الذي لا نجده لدى الكثير من الدول، فسياسة الدعم التي تنتهجها سورية منذ عقود، والمتمثلة في تقديم السلع الاستهلاكية والخدمات الأساسية لكل المواطنين دون إقصاء، بأسعار أقل من أسعار تكلفتها الحقيقية، باعتبار أن ميزانية الدولة تتحمل الفارق بين السعر الحقيقي للمنتج أو الخدمة، والسعر المنخفض الذي يتم تقديمه لكل المواطنين على حد سواء، إلى جانب دعم المواد والسلع والخدمات المحلية مثل المياه والكهرباء والغاز والبنزين والمازوت، والصحة والتعليم بجميع أطواره، فإننا نؤكد على أن تتم عملية رفع الدعم بطريقة تدريجية، ومواكبة للعمل على تحسين الأجور ورفع القدرة الشرائية وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين.