أحمد صلال – صحيفة الثورة – باريس:
في إطار النقاش المتزايد الذي ينصب حول انتخابات تأسيس جالية سورية في فرنسا، ومن أجل إثراء هذا النقاش وتوسيع آفاقه، فتحت صحيفة الثورة حواراً حول هذه الجالية المزمع ظهورها في القريب العاجل.
خروقات
“الاهتمام بالجالية ومعاملتها على قدم المساواة لتعزيز الحقوق والنظر فيها بصورة عاجلة، هذه مضامين مسودة الجالية”.
هكذا أحبّ شادي عبد الرحمن، وهو ناشط حقوقي مختص بالهجرة واللجوء السوري، أن يبدأ حديثه لصحيفة الثورة.
وتابع: “ما حصل في الانتخابات من القاع إلى الأعلى يشوبه الكثير من العشوائية والشللية من أجل الحصول على أكبر عدد من المقاعد، حيث يحصل كل عشرة أشخاص على كرسي واحد، ثلثها من باريس.
عبد الرحمن انتقد امتناع بعض المرشحين عن التعريف بأنفسهم، كذلك لفت إلى توزيع قوائم جاهزة، وحضور سياسي عائلي، وتوكيلات سمحت لكل شخص أن يحوز توكيلاً شخصياً عن ثلاثة منتخبين، وهذا يتنافى مع القوانين الفرنسية التي لا تسمح بأن يتجاوز عدد التوكيلات توكيلاً واحداً.
ويضيف: “ما لا يمكن إغفاله هو ما شهدته فترة الانتخابات وما قبلها من تراشق اتهامات بالعمالة للنظام المخلوع ومخابراته المجرمة، كما شهدت شبكات التواصل الاجتماعي حملات تشهير وحملات مضادة، والنظام الداخلي لم يقر حتى اليوم، ولن يقر قبل موعد انتخابات مجلس الإدارة”.
ويستطرد: “الذي حصل أن هناك غياباً للسياسات الوطنية الملائمة التي هدفها المصلحة، وليس المصالح والمنافع الشخصية”.
تكافؤ الفرص
ويرى عبد الرحمن أنه كان يجب على اللجنة التحضيرية عدم الترشح لمجلس الإدارة إلا عبر تكريس مبدأ تكافؤ الفرص للجميع وتحقيق معايير الشفافية والنزاهة.
ويكمل: “في سياق سير العملية الانتخابية، تعامل القائمون على المشروع بالتشهير والتخوين، وهناك دعاوى قضائية عديدة تشهدها ساحة القضاء الفرنسي، وانتقد حضور ما يقارب الأربعمئة شخص فقط من أصل 45 ألف سوري مقيم في فرنسا، التي تستضيف عدداً كبيراً من التكنوقراط والكفاءات السورية، ويتصدر بدلاً عنهم أشخاص لا يتقنون حتى اللغة الفرنسية.
ويختم عبد الرحمن: خلال زيارة الرئيس أحمد الشرع لفرنسا تم التكتم على الاجتماع، وحضر نصف أعضاء اللجنة بينما غاب النصف الآخر.
الأشرس ديمقراطياً
“للإجابة عما سبق يجب أن نبتعد عن المساءلة الكلاسيكية المبنية على سلوكيات وتصرفات تجعل من الشأن العام شأناً شخصياً بحتاً، وبدلاً عن ذلك يجب أن نصب بحثنا وجهدنا على رابطة الجالية السورية في فرنسا كمؤسسة تخضع للقانون الفرنسي، وإن كان من الصعب أن ترضي النخب التي تسير المؤسسة، ويجب عليها أن تقوم بدورها تجاه المواطنين كافة.. بالكلمات السابقة يبدأ معتز شقلب عضو اللجنة التحضيرية لانتخابات مجلس إدارة رابطة الجالية السورية في فرنسا، حديثه لصحيفة الثورة.
وأضاف: “إن مجلس الجالية كمؤسسة دستورية استشارية حدد لها مند الوهلة الأولى القيام بمهام واضحة بمقتضى قانون 16/1/2007 حيث أنيط بها ضمان المتابعة والتقييم للسياسات العمومية للجمهورية العربية السورية تجاه مواطنيها المهاجرين، وتحسينها بهدف ضمان حقوقهم وتكثيف مشاركتهم في التنمية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للبلاد.
وبالمقابل فإن مجلس الجالية السورية بالخارج مكلف بالاضطلاع بوظائف الإحاطة بإشكاليات الهجرة واستشرافها والمساهمة في تنمية العلاقات بين سورية وحكومات ومجتمعات بلدان إقامة المهاجرين السوريين”.
ويتابع: “نرى من خلال هذه الانتخابات أنها كانت الأشرس ديمقراطياً، وأنا حصلت على مركز متأخر بعد تمديد الوقت المحدد نصف ساعة، وأشعر أن شيئاً قد تحقق على أرض الواقع، ويمكننا الحديث عن مؤسسة نامية ومتطورة ومستمرة”.
التباس وتبرئة
ويوضح معتز شقلب: “يحق لكل مواطن سوري الترشح بغض النظر عن فترة إقامته في فرنسا، خلال أسبوع كامل من فتح باب الترشح”.. وفيما يخص تبادل اتهامات بالخيانة والعمالة للنظام المخلوع ومخابراته، بين أنه “حصل أن التبس الأمر علينا بما يخص سيدة سافرت إلى سوريا أثناء الثورة، وبعد ذلك تبين أن لها أقرباء كثر في سوريا”، وتم الاعتذار عن هذه الحالة الفردية التي لم ترتق لتكون ظاهرة تستحق الوقوف عندها كثيراً.
وفيما يتعلق بعدم تعريف بعض المرشحين عن خبرتهم العلمية وحياتهم العامة يقول: “أنا مثلاً عرفت عن نفسي ثلاث مرات، وهذا يأتي بالمرتبة الأولى فائدة للمرشح، ومن لا يفعل ذلك يخسر ناخبين وحتى في حال الفشل هي فرصة ليكون معروفاً بالشأن العام، وفي ما يخص نقطة النظام الداخلي، موجود، ولكن من يجب أن يرخص أعضاء مجلس الجالية،الذين سينتخبون في وقت لاحق من هذا الشهر”؟.
وحول نقطة غياب التكنوقراط، يوضح شقلب، “إن ما حققه العديد من السوريين المقيمين بالخارج من نجاح مهني وكفاءة علمية وتفوق في مجال الفنون والثقافة، وكذلك في العمل السياسي في بلدان الاستقبال، من شأنه أن يجعل منهم جماعات للضغط، تساعد على الدفاع عن المصالح الوطنية في الخارج على مستوى العمل الدبلوماسي الموازي.
والحديث عن توزيع قوائم جاهزة داخل القاعة اعتبرها شقلب حالة فردية لا تصلح لتكون ظاهرة، وهذه الخروقات تم الوقوف عندها وحلها.
بناء الدولة السورية الجديدة
“نعم، تُعد فكرة الجالية، حين تكون منظمة بشكل قانوني، أداة فاعلة في تقديم الدعم القانوني والاجتماعي للسوريين في دول الشتات السوري وبلدان النزوح واللجوء، فهي تتيح إنشاء كيان يمثّل مصالح الأفراد، ويملك القدرة على التحدث باسمهم أمام السلطات المحلية أو المؤسسات الدولية٬ بالتالي وجود إطار قانوني معترف به، مثل جمعية مرخصة وفق قانون 1901 الفرنسي، يسمح بتقديم خدمات استشارية، وتنظيم الفعاليات، والمساعدة في قضايا الإقامة أو لمّ الشمل أو حتى التظلم الإداري، وكل ذلك ضمن نطاق قانوني مشروع يحمي القائمين عليه والمستفيدين منه.
والاهم في الحالة السورية بعد انتصار الثورة السورية القيام بمهام تنظيم الشتات السوري والكفاءات والخبرات السورية ورجال الأعمال وإدماجهم في عملية إعادة بناء الدولة السورية الجديدة، وتشكيل لوبيات سورية ضاغطة في هذه الدول لدعم الحكومة السورية الانتقالية، وأن تكون جسراً بين سوريا وهذه الدول المضيفة”.. هكذا يجيب المحامي والباحث السوري فراس حاج يحيى في حديثه لصحيفة الثورة على سؤال حول قدرة الجالية على مساعدة المهاجرين واللاجئين السوريين.
فراغ
وفيما يخص غياب هذا التمثيل للجالية منذ عقد ونيف، يرد حاج يحيى: “غياب جالية سورية موحدة وفاعلة خلال السنوات الماضية ترك فراغاً واضحاً على عدة مستويات.
غابت آليات الدعم الذاتي والتنسيق الجماعي، ما جعل كثيراً من السوريين عرضة للعزلة، أو الارتجال في التعامل مع التحديات القانونية والاجتماعية، وكما أدى هذا الغياب إلى ضعف التمثيل في المحافل المدنية، وصعوبة التفاوض باسم مجموعات كبيرة، بل وحتى خلق بيئة تتعدد فيها المبادرات الفردية من دون مظلة جامعة، وهو ما فاقم التشتت، وقلل من فعالية العمل الجماعي وأضعف القضية السورية في دول الاتحاد الأوربي عموماً نتيجة غياب لوبيات سورية فاعلة، واقتصرت الجهود على تحركات فردية”.
ويرد حاج يحيى على سؤال حول العوائق أمام تشكيل جالية متماسكة بالقول: “هناك جملة من العوائق، بعضها قانوني وبعضها اجتماعي وسياسي، من الناحية القانونية، ليس تشكيل جمعية أمراً معقداً في فرنسا، لكن المشكلة تكمن في الاتفاق على هوية موحدة وشكل تمثيلي يحظى بالقبول العام من أبناء الجالية أنفسهم.
هناك أيضاً تحديات تتعلق بالثقة، وبالاستقطابات السياسية، وبصعوبة الفصل بين الانتماءات الشخصية والمصلحة الجمعية، كما أن غياب التنسيق مع الجهات الرسمية السورية، أو تعارض بعض المبادرات مع السياسات الرسمية، يمكن أن يعقّد الاعتراف بها كجالية تمثيلية بالمعنى الرسمي”.
الفرق بين التجمع والجالية
وتعليقاً على الفرق بين التجمع والجالية، يوضح حاج يحيى: “التجمع، من حيث المفهوم، قد يكون ظرفياً أو عفوياً، ناتجاً عن قرب جغرافي أو ظرف إنساني مشترك، بينما الجالية تتطلب شكلاً أكثر تنظيماً، بُنية مؤسسية واضحة، تمثيل ناتج عن آليات ديمقراطية، وامتلاك رؤية جماعية تتجاوز الفردي والآني، أي أن الجالية ليست مجرد وجود عددي، بل تعبير قانوني واجتماعي عن وعي جماعي منظم ومؤثر”.
وعن الأهداف المرجوة من الجالية، قال: “تهدف الجالية إلى تمثيل مصالح أعضائها، والدفاع عن حقوقهم، وتعزيز الروابط فيما بينهم من جهة، وبينهم وبين وطنهم الأم من جهة أخرى، كما تسعى لتيسير اندماجهم في المجتمع المضيف من دون المساس بهويتهم الثقافية والوطنية، وتشمل أهدافها: تقديم الدعم القانوني والاجتماعي، تنظيم الأنشطة الثقافية والتعليمية، المشاركة في الحياة العامة، وبناء علاقات مع المؤسسات الرسمية الفرنسية والسورية على حد سواء.
ويختم حاج يحيى حديثه عن الشكل القانوني المنتج لجالية من الناحية القانونية في فرنسا، يمكن تأسيس جمعية تعبر عن الجالية بموجب القانون 1901، وهو الإطار التشريعي الذي ينظم الجمعيات المدنية، يتطلب ذلك وضع نظام أساسي، وانتخاب هيئة إدارية، والتسجيل لدى السلطات المختصة.. هذا يمنحها شخصية اعتبارية تمكّنها من العمل العلني والحصول على تمويل أو دعم رسمي.
أما من منظور سوري، فإذا كان الهدف هو إنشاء “رابطة جالية سورية” معترف بها من قبل الدولة السورية ومؤسساتها، فلا بد من الرجوع إلى القرار رقم 16 الصادر عن وزارة الخارجية والمغتربين في 16/1/2007، والذي يحدد آليات الاعتراف، وهيكل الرابطة، وشروط العلاقة مع السفارات السورية في الخارج..”.