تنظيم أم .. الجدل يحتدم حول منع البسطات في جرمانا!

الثورة – لينا شلهوب:

بين شوارع مزدحمة تنبض بالحياة، ووجوه أنهكها السعي وراء لقمة العيش، تشهد مدينة جرمانا هذه الأيام مشهداً جديداً يختبر توازنها بين التنظيم والمعيشة.

فما بين قرار رسمي يقضي بمنع البيع على الأرصفة والبسطات تحت طائلة المصادرة والملاحقة، وبين أصوات الباعة الذين يرون في أرصفتهم “مساحة رزقهم الأخيرة”، تقف المدينة على مفترق دقيق بين ما هو قانوني وما هو إنساني.

القرار الذي أعلنه مجلس المدينة بالتعاون مع إدارة الأمن العام، أثار جدلاً واسعاً بين مؤيد يرى فيه خطوة نحو ضبط الفوضى واستعادة المظهر الحضاري، ومعارض يعتبره معاناة للفقراء الذين لا يملكون سوى بسطة صغيرة تقيهم العوز.

تنظيمية وحازمة

أصدر مجلس مدينة جرمانا في محافظة ريف دمشق، بالتعاون مع إدارة الأمن العام في المدينة، منذ أيام، تعميماً يقضي بمنع بيع الوقود ومختلف المنتجات الأخرى على الأرصفة وفي الشوارع والبسطات، تحت طائلة المصادرة الفورية والملاحقة القانونية لكل من يخالف هذا القرار، وذلك في خطوة وصفت بأنها تنظيمية وحازمة كما يراها كثيرون.

القرار، الذي أعلن عنه المجلس، أثار موجة من الجدل بين المواطنين وأصحاب البسطات، حيث اعتبره البعض ضرورة لحماية المدينة من الفوضى، فيما رآه آخرون ضربة موجعة لشريحة واسعة من الفقراء الذين يعيشون على دخل يومي غير ثابت.

وبحسب نص التعميم، فإن الإجراء كما يؤكد رئيس مجلس المدينة سائر أبو رسلان لصحيفة “الثورة” يهدف إلى منع ظاهرة انتشار بيع الوقود والمواد المختلفة على الأرصفة، لما تشكله من مخاطر أمنية وبيئية وتنظيمية، فضلاً عن تأثيرها السلبي على المظهر الحضاري للمدينة.

كما حذّر التعميم كل من سبق وتم توجيه إنذار له أو إزالة بسطته من العودة إلى النشاط ذاته، ملوحاً بإجراءات فورية تشمل الإزالة والمصادرة والملاحقة القانونية.

الأمر لم يتوقف عند الباعة الجوالين فقط، بل شمل أيضاً أصحاب المحال التجارية الذين يثبت أنهم يسمحون أو يشاركون أو يتقاضون مبالغ مالية مقابل السماح بإقامة بسطات أمام محلاتهم، حيث أكد المجلس أن هؤلاء سيخضعون للعقوبات ذاتها.

ليس عقوبة بل تنظيم

وللوقوف على خلفيات القرار، تحدثنا إلى عضو المكتب التنفيذي في مجلس المدينة وسام عبد الصمد، الذي أوضح أن التعميم جاء استجابة لشكاوى متكررة من الأهالي، تتعلق بالازدحام والفوضى في بعض الشوارع الحيوية، مثل شارع البلدية ودوار الروضة وشارع النسيم، والخضر، والروضة.. مبيناً أن المدينة تعاني منذ فترة من انتشار ظاهرة بيع الوقود والمواد الغذائية والمستلزمات المنزلية على الأرصفة، وهذا يشكل خطراً حقيقياً على السلامة العامة، خصوصاً فيما يخص تخزين الوقود بطرق غير آمنة، مضيفاً أن الهدف من القرار ليس التضييق على المواطنين، بل إعادة النظام والهيبة إلى الشارع العام، وتنظيم البيع ضمن الأسواق المرخصة والمحال المخصصة لذلك.

كما أشار إلى أن المجلس يعمل بالتوازي على إيجاد بدائل مقبولة للباعة المتضررين، من خلال تنظيم أماكن مخصصة للبسطات في مناطق محددة، ريثما يتم تأهيل الأسواق الشعبية التي تعاني من ضعف في الخدمات.

بين مؤيد ومعارض

في جولة ميدانية قامت بها “الثورة” على عدد من شوارع جرمانا، بدت المشاعر متباينة، أبو أحمد الحلبي (٥٣ عاماً)، بائع محروقات بسيط، عبّر عن امتعاضه قائلاً: أنا أبيع غالونين أو ثلاثة لأعيل عائلتي، صحيح أن المكان ليس مرخصاً، لكن أين نذهب؟ إذا أزالوا بسطتنا، فهل سيؤمنون لنا بديلاً؟.

في المقابل، ترى أم رامي الحكيم، صاحبة محل للألبسة في شارع البلدية، أن القرار كان ضرورياً ومؤخراً جداً، إذ إن الفوضى أصبحت لا تطاق، والبسطات أمام المحلات، فضلاً عن الروائح، والازدحام، وحتى بيع الوقود بين المارة أمر خطير، لذا يجب أن يكون هناك تنظيم، حتى وإن تأثر البعض مؤقتاً، فالمصلحة العامة هي الأهم.

أما الشاب علاء خليل، وهو من سكان حي الروضة، فعبّر عن موقف وسطي، حيث قال: القرار جيد من حيث المبدأ، لكن تطبيقه يجب أن يكون عادلاً، لا يمكن معاقبة الجميع بنفس الطريقة، فهناك من يبيع ليعيش، وهناك من حول البسطة إلى مشروع ضخم يحتل الرصيف كاملاً.

أرزاق معلقة على رصيف الحياة

وسط ضجيج القرارات ونداءات التنظيم، يعلو صوت آخر خافت لكنه موجع، هو صوت أصحاب عدد من البسطات الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها خارج إطار رزقهم اليومي.يروي أبو محمود العك (48 عاماً)، بائع الأدوات المنزلية البسيطة في شارع النسيم، حكايته قائلاً: ليست هذه البسطة مجرد طاولة خشبية، إنها مصدر رزقنا الوحيد، أعمل منذ عشر سنوات هنا لأطعم أولادي، وإذا أزيلت، فمن أين نبدأ من جديد؟ وتتحدث أم ناصر العطواني (39 عاماً)، وهي أرملة تعيل ثلاثة أطفال من خلال بيع الملابس المستعملة، لم نرفض النظام يوماً، لكننا نعيش على ما نجنيه كل يوم، فيما القرار جاء سريعاً، ولم يطرح علينا بديل، لا نطلب سوى مكان بسيط نعمل فيه بكرامة. تتكرر هذه القصص على ألسنة العشرات من الباعة، يجمعهم الخوف من الغد والبحث عن فرصة للبقاء، فبينما ترى الجهات الرسمية أن القرار خطوة لتنظيم المدينة، يرى هؤلاء أن الرصيف كان مساحتهم الأخيرة للحياة، وأن فقدانه يعني ببساطة انقطاع شريان رزق كانوا يعيشون عليه يوماً بيوم.

أبعاد اقتصادية واجتماعية

اقتصادياً، يرى المراقبون أن القرار يحمل انعكاسات مزدوجة، فمن جهة، قد يؤدي إلى تحسين بيئة المدينة وتنظيم الحركة التجارية، لكنه من جهة أخرى يؤثر على مئات الأسر التي تعتمد على البيع في الشارع كمصدر رزق رئيسي. ويقول الباحث الاقتصادي نبيل درويش إن على السلطات المحلية أن تراعي البعد الاجتماعي لأي قرار تنظيمي، لافتاً إلى أن الاقتصاد غير المنظم في سوريا بات يشكل ملاذاً للفقراء في ظل الظروف الصعبة، فالقرارات الإدارية ضرورية، لكنها تحتاج إلى تدرج وبدائل حقيقية، وإلا سنكون أمام مشكلات معيشية جديدة.

بين الانضباط ولقمة العيش

من المتوقع أن يحدث التعميم تغييراً واضحاً حسب الباحث الاقتصادي في المشهد العام لمدينة جرمانا خلال الأسابيع المقبلة، خصوصاً مع تشديد المراقبة الأمنية على الشوارع والأسواق. لكن تبقى كفاءة التنفيذ وعدالة التطبيق هي العامل الحاسم في مدى تقبل المواطنين للإجراء، مضيفاً: إذا ترافق المنع مع خطة لإعادة تأهيل الأسواق الشعبية، وتخصيص أماكن قانونية للبسطات الصغيرة، فإن الخطوة قد تتحول إلى نموذج ناجح للتنظيم المدني، أما في حال غابت البدائل، فقد يؤدي القرار إلى تزايد البطالة والفقر، وربما تفاقم ظواهر أخرى مثل البيع المتخفي أو السوق السوداء.
ما بين سعي مجلس المدينة إلى فرض التنظيم، وحاجة المواطن إلى لقمة العيش، تبقى المعادلة صعبة، إذ إن قرار منع البيع على الأرصفة، يضع الجميع أمام اختبار حقيقي، هل يمكن تنظيمها دون أن يتضرر كثيرون؟ الجواب رهن بقدرة الجهات المعنية على الموازنة بين الحزم والرحمة، وبين التنظيم والعدالة الاجتماعية.

آخر الأخبار
الرئيس الشرع خلال جلسة حوارية في الرياض: السعودية تشكل أهمية كبرى للمنطقة وسوريا ركيزة أساسية لاستقر... 2500 فرصة عمل في ملتقى بوابة العمل الرابع بدمشق "الرياض 2025".. ضوء أخضر لجذب الاستثمارات العالمية إلى سوريا الشرع يلتقي السواحة وأبو نيان والجاسر في الرياض خبير نفطي يقترح خطوات إنقاذية لقطاع النفط المتهالك الوفد السوري يشارك في لقاء النخب الاقتصادية بالرياض عاصم أبو حجيلة: زيارة الشرع للرياض تعيد رسم خريطة النفوذ في المنطقة دمشق الذكية.. من ماروتا وباسيليا إلى مدينتين خضراوين "تقانة المعلومات": خطوات ثابتة نحو أمن رقمي متكامل مشاركة سوريا في "مبادرة الاستثمار" رسالة اطمئنان للمستثمرين إطلاق مشروع الإشارات المرورية الذكية ضمن حملة "لعيونك يا حلب" تنظيم الساحات في دمشق.. خطوة نحو استعادة رونق العاصمة افتتاح دائرة النقل في جامعة حلب بعد إعادة تأهيلها زراعة الفطر في جبلة فرصة بديلة عن المحاصيل التقليدية شراكة سعودية - سورية تقود التحول الرقمي التعليم في عندان .. الطلاب بالآلاف والكتب بالعشرات ومعلمون لا يكفون ! المليحة وشبعا بين الخصب ومكبات القمامة.. ومدير نظافة دمشق لا يجيب! "العربية أبوظبي" تبدأ رحلاتها المباشرة إلى دمشق سوريا في "FII9 ".. مشاركة في صياغة المستقبل لا الاكتفاء بمتابعته من بعيد منظومة طاقة شمسية لمشروع المجمع الحكومي الجديد بدرعا