الثورة – أديب مخزوم:
تطرح لوحات الفنان أدهم عزيز اسماعيل جماليات التعامل مع الوجوه ” البورتريه” والمرأة والبحر والمراكب الراسية والمترقبة للسفر والطبيعة والمشاهد الأخرى ، مع اتجاه لإعطاء اللوحة الواقعية، مواصفات العمل الفني، فاللوحة الواقعية التي يقدمها، رغم دقتها، تحمل فسحة انطباعية ورومانسية، قادرة على منح المشاهدين تجليات متجددة ومسايرة لمعطيات الزمن المعاصر.
ويذكر أنه ينتمي لأسرة فنية شهيرة ، حيث تفتحت عيناه على لوحات والده عزيز إسماعيل ، أحد رواد اللوحة الواقعية، ثم تعرف على لوحات أعمامه: أدهم ونعيم إسماعيل وهما من أبرز رواد الحداثة التشكيلية ، كما تأثر بكتابات عمه صدقي، وكل ذلك ساهم بدفعه منذ البداية خطوات باتجاه الفن والثقافة.
ويشير أدهم أن والده هو الذي اكتشف موهبته، ودفعه في اتجاه بلورة نزعته الفنية في مجالي الرسم والتلوين، ومن ثم البحث عن جماليات الصياغة الفنية الانطباعية، والانطلاق في رحاب الاختبار التشكيلي والتقني الاكثر عفوية وحرية واقترابا من عالم الرسم الحديث والمعاصر .
هكذا يبدو متنقلاً بين الثقافة البصرية المباشرة والمقروءة في الرسم الواقعي والانطباعي، وبين الاتجاهات التعبيرية الأكثر حرية في معالجة خطوط الأشكال وتقنيات اللون . فهو في بعض لوحاته يجسد بواسطة التفاصيل الصغيرة إيقاعات الوجوه ورموز الطبيعة والعمارة القديمة وتنويعات الزهور والعناصر الأخرى، حيث يبقى الشكل داخل اللوحة خاضعاً لتلك العلاقة الرصينة والمنضبطة ، ثم يتحول في لوحات أخرى نحو صياغات تحويرية وتبسيطية مغايرة .
وفي اعمال أخرى تغطي الفسحات الخضراء الجزء الأكبر من لوحاته ، وهي موضوعات مستعادة من الواقع والذاكرة، في خطوات ارتباطه بالأمكنة الحميمية، التي كانت، ولاتزال تدفعه، وتحرضه على مزاولة الرسم والعرض، حتى في الأزمنة المضطربة والمتوترة والمغمورة بالأحزان والتطلعات الشاحبة.
حيث يعمل لإبراز التعبير التلقائي، من خلال اللمسات اللونية العفوية، التي تعكس حركة وحيوية المشهد البحري والمنظر الطبيعي والمعماري وأحواض الزهور. وهكذا يجنح نحو الشاعرية الحاملة حركة عفوية تعبر عن اندفاعات الحالة الداخلية أو إيماءات اللحظات المتبدلة، التي يعيشها أثناء إنجاز اللوحة، بإحساس مباشر وبإيقاعات لونية متجاورة ومتحاورة.
حتى انه يبحث وبشكل دائم عن زوايا نادرة، منها يرى القوارب والبحر والطبيعة، والمشاهد المعمارية النادرة، ومنها أيضا يستطيع أن يقبض على الغيم، وفي جميع الحالات يعيد تشكيل المشهد بالعين الداخلية، ولهذا نراه يتحاور مع اللون والضوء والظلال بشكل عفوي .
وهو كثيراً ما يستخدم في لوحاته الأكثر حداثة اللمسات الخطوطية الالتفافية والمنحنية والمتداخلة والحلزونية، والتي تحدد العناصر، دون أن تقع في إطار الصياغة الهندسية الجامدة، رغم ما تبرزه من عناصر دائرية وأقواس ومساحات مستوية وصافية. وعن طريق تسطيح المساحة وتحديدها بحركة خطية متواصلة دون انقطاع ، يذهب إلى درجة من العقلانية والهندسة، بحيث تتداخل الأشكال مع المسطحات اللونية التجريدية وهذه الطريقة التشكيلية التي جسد من خلالها العناصر والأشكال فرضتها وبقوة ثقافة وفنون العصر.
هكذا أعطى بعض لوحاته مبدأ الحركة الخطية والمساحة الهندسية (دوائر، أقواس، التفافات لولبية وحلزونية…) وشكلت هذه المجموعة من لوحاته تحولاً في تجربته التشكيلية ، من ناحية الانحياز نحو التسطيح والتركيز لإظهار إيقاعات الأشكال المختصرة (كالمرأة والغزال مثلاً) وهنا يبرز جمالية التنقل بين الواقعية والانطباعية وبين التشكيل الأكثر حداثة وثقافة بصرية في اتجاهاته التعبيرية والرمزية المغايرة لما تراه العين في الأبعاد الثلاثة.
هكذا جسد من خلال مساحاته اللونية الجانحة نحو الاستواء والتسطيح، المشاهد والحالات الإنسانية مع إعطاء أهمية كبرى لحركة الخط اللامتناهية ، كل ذلك في خطوات إظهار عناصر الجذب البصري، والتماس موسيقى الخطوط والألوان المنحازة نحو جماليات العودة إلى استلهام ما يمكن تسميته بديمومة العناصر التراثية، المنفتحة على طروحات الحداثة والأصالة في آن واحد.
فالشيء البارز الذي كشفه في لوحاته يكمن في قدرته على إظهار الحوار اللوني التلقائي، الذي يعكس هواجس غنائية في صياغة إيقاعات من تكاوين العمارة والطبيعة والزهور.
ورغم كل العفوية التي رأيناها في بعض لوحاته، يبقى اهتمامه منصباً على إبراز عناصر التناسب والتناسق ، وهو يتنقل بين الدقة الواقعية وبين العفوية التعبيرية، ولوحاته تشدنا ليس بموضوعها فحسب، وإنما بمعالجتها التقنية العفوية ، التي تجعل لمسات اللون متراقصة في فضاء المشهد، لاسيما حين يتجه لاضفاء لمسات لونية مصاغة بحرية ومجسدة بالريشة مباشرة، حيث تبدو غنية بتعبيرها ومكثفة بالأحاسيس العميقة ، وهذه العفوية تلغي الثرثرة التفصيلية، وتعمل لإظهار حداثة المناخ التكويني والتلويني.