الملحق الثقافي:سلام الفاضل:
يُعرّف الإبداع لغةً بأنه الإتيان بشيء لا نظير لهُ فِي الجودة والإتقَان، بحيث يكون هذا الشيء ابتكاراً لم يؤتى بمثله، ويعرّف اصطلاحاً بأنّه عملية تقوم على تحويل الأفكار الجديدة والخيالية إلى حقيقة واقعة، ينتج عنها إحضار شيء جديد غير موجود مسبقاً إلى الوجود، والعمل على دمجه في حياة المجتمعات البشرية بغية تطوير رؤاها وأفكارها، ونقلها نحو عوالم أكثر رحابة. والإبداع في مفهومه قد يُقسم إلى نمطين اثنين؛ الأول هو الإبداع الاستثنائي الذي يتطلب قدراً عالياً من الابتكار والتجديد، ويسهم في توليد أفكار غير نمطية تؤثر في الفكر الجمعي للمجتمعات، وتعمل على إعادة قولبة هذا الفكر، ورفعه نحو عوالم أكثر انفتاحاً وازدهاراً، والنمط الثاني هو الإبداع اليومي الذي تندرج تحت خانته أشكال الإبداع الأخرى كإبداع لوحة فنية، أو مقطوعة موسيقية… إلخ، وهذا النوع من الإبداع لا يتطلب مهارات عالية في التجديد والابتكار.
والمبدع عادة هو إنسان يمتلك جملة من الخصال التي تمكّنه أن يكون مبتكراً، وألا يستكين إلى القوالب الجاهزة التي درجت عليها المجتمعات في التفكير، والبحث، والتعاملات اليومية، بل إنه غالباً ما يسعى عبر ما تمتاز به شخصيته من مرونة ملحوظة، وإيجابية فعّالة، وفضول شديد، وشجاعة وتصميم إلى الذهاب إلى ما وراء الصور الواضحة للبحث عن معاني الوجود، أو اكتشاف آليات جديدة للتعامل مع المشكلات الآنية، أو ابتداع حلول مستقبلية تسهم في تسهيل حياة الإنسان، والحد من المعوقات التي تعترضه؛ والمبدع عادة في كل هذا يستعين بعقل منفتح، وخيال واسع، وحافز دائم للغوص وراء التفاصيل، والبحث عن الإجابات، وتقديم الحلول.
وانطلاقاً مما سبق لنا أن نرى ما للإبداع من دور مؤثر ومحوري في حياة المجتمعات عامة، وأفرادها بشكل خاص، وللوقوف أكثر على دور الإبداع، وأثره في حياة المجتمعات، توجهنا بالسؤال إلى الفنان والناقد التشكيلي الأستاذ سعد القاسم الذي رأى أن: «الإبداع سواء أكان أدبياً أو فنياً، هو في جانب من جوانبه قول أمر ما بطريقة غير تقليدية.. وهذا الأمر قد يكون حدثاً أو رؤية خاصة لذلك الحدث، أو رأياً فكرياً وفلسفياً.. وعليه فإن الإبداع يرتقي بوسيلة التعبير التي يستخدمها، ويرتقي كذلك بالذائقة والثقافة، ومفردات التعبير الكتابية والسمعية والبصرية.. وبالتالي فهو يرتقي بمجمل الحالة الحضارية للمجتمع، ويجد انعكاسه فيما لا حصر له من أشكال الحضور الإنساني الراقي، في المنازل والشوارع والأماكن العامة والخاصة، والمظهر الفردي والجماعي، وأساليب التعامل بين الناس، والتعاطي مع المكان، والحدث».
بدوره الناقد والكاتب المسرحي الأستاذ جوان جان يبيّن أن الإجابة عن هكذا نوع من التساؤلات تبدو بدهية في كثير من جوانبها. ويتابع: «ذلك أن البشرية ومنذ فجر تاريخها لم تعتمد سوى على المبدعين في تحقيق ما حققته من إنجازات على مختلف الصعد، خاصة وأن الإبداع لا تنحصر مجالاته ضمن أطر معينة، فهو مفهوم واسع الطيف، ويشمل مناحي الحياة كافة، وإذا كانت الأنظار تتجه مباشرة في الحديث عن الإبداع إلى مجالات الفن والأدب، فإن الإبداع يشمل تفاصيل الحياة اليومية كافة من عمران وتربية، ومختلف أنواع المهن، وبالتالي فإن حدود الإبداع لا تتوقف في مكان فهي دائمة الحركة والامتداد والتأثير».
فالإبداع إذاً هو مفهوم شمولي، لا حدود له، ولا يمكن حصره في جانب دون آخر، إذ إنه يؤثر في مناحي الحياة كافة، ويرخي بظلاله على مفرداتها، وأحداثها، ويومياتها، وهذا ما يعود ليؤكد عليه الفنان والناقد التشكيلي سعد القاسم بالقول: «ويلحظ كم أن الإبداع إذاً هو جانب مترامي الأطراف.. وبالتالي يمكن أن ندرك كم نضيّق ثوب الإبداع إذا حصرنا مهمته بالتوعية، أو التوجيه، أو الترويج».
ومسؤولية المبدع هي مسؤولية واجبة، ودوره في بناء مجتمعه، وحفظه هو دور ثابت وضروري، وعن المسؤولية المُلقاة على عاتق مبدعي اليوم، ولا سيما في مجال الفنون والآداب، يقول الناقد والكاتب المسرحي جوان جان: «تبدو مسؤولية المبدع مضاعَفة اليوم في بلادنا أكثر من أي وقت مضى، فمبدعو الأدب والفن اليوم مطالبون أن يقوموا بدور فعال في عملية التنوير التي لا غنى عنها كي يعود مجتمعنا ليقف على قدميه في وجه حملات الجهل والتجهيل التي لم تعد تكتفي بتدمير المجتمعات فحسب، بل تعمل أيضاً على القضاء على أية إمكانية للانبعاث من جديد.. وعليه لم تعد تكفي اليوم صالة مسرح، أو قاعة موسيقا، أو ناد سينمائي، أو مركز ثقافي للوقوف في وجه طوفان الجهل القادم، بل نحن بحاجة إلى ثورة حقيقية تقيم حالة من التوازن بين مختلف الفعاليات والأنشطة، وتتيح المجال واسعاً أمام الناس كي يعرفوا ما هو الشيء الذي يريد إنقاذهم من مستنقع الجهل الذي يرتعون فيه، وما هو الشيء الذي يريد أن يأخذهم باتجاه الهاوية، بأسلوب لا يخلو من مغريات قائمة على الوهم والخيال».
التاريخ: الثلاثاء18-1-2022
رقم العدد :1079