الملحق الثقافي:
أدى المترجمون منذ القدم دوراً مهماً وفاعلاً في نقل ثقافات شعوب العالم، ومعارفهم، وأفكارهم إلى اللغة العربية، وكان لبعض المترجمين حضور قوي ومؤثر في ساحة الحراك الثقافي والفكري العربي، فبرع بعضهم إلى جانب الترجمة في فنون أخرى كالرواية، أو القصة القصيرة، أو نظم الشعر، أو النقد، أو الفلسفة، أو سوى ذلك فكان إبداعهم شمولياً، أسهم في رفد ترجماتهم بذائقة لغوية عالية، ورفع سوياتها الفكرية والجمالية، وفي ذلك كثير من الأمثلة.
ولمهنة الترجمة كما هو معروف أصول ومعايير درج المترجمون اتباعها، ولزموا أنفسهم بها لتخرج ترجماتهم بأبهى حللها، إلى جانب ما في هذه المهنة من جانب إبداعي يضفيه المترجم على نصوصه دفعاً لها للتحليق في سماوات من السبك والسلامة اللغويين، وتحقيقاً لقبولها عند القارئ، واندماجه مع ما تحمله من أفكار، وتقدمه من انطباعات. ولتسليط الضوء على هذه المهنة، وأصولها، وأبرز شروطها ومعاييرها توقفنا عند تجربتين لمترجمين أحدهما عن اللغة الفرنسية وهو الدكتور غسان السيد أستاذ مادة النقد في جامعة دمشق ومدير مديرية التأليف في الهيئة العامة السورية للكتاب، والآخر عن اللغة الإنكليزية وهو الأستاذ الجامعي ومدير مديرية الترجمة في هيئة الكتاب الدكتور باسل المسالمة.
بداية حدّثنا د.غسان السيد عن التجربة التي كانت وراء إكسابه اللغة الفرنسية، وفتحت له آفاقاً واسعة مكّنته من الاطلاع على الأدب والثقافة الفرنسيين، بالقول: «أتيحت لي فرصة دراسة الأدب المقارن في فرنسا، مما أكسبني اللغة الفرنسية، وفتح لي آفاقاً واسعة حاولت الإفادة منها بعد عودتي إلى سورية، حيث أخذت في ترجمة الكتب إلى اللغة العربية، وبدأت بالكتب التي ترتبط بطبيعة اختصاصي في مجال الأدب المقارن، فترجمت لأهم المؤلفين في هذا الميدان، ومن هذه الكتب: (الوجيز في الأدب المقارن)، و(الأدب العام والمقارن)، و(وما الأدب المقارن؟)، إضافة إلى كتب أخرى في مجال النقد الأدبي، ونشرت هذه الكتب مباشرة بعد عودتي من الإيفاد إلى فرنسا». ويتابع: «تنبّهت في مرحلة لاحقة إلى موضوع أثار اهتمامي من خلال تدريس المنهج النفسي في النقد الأدبي، وهو مجال علم النفس والتحليل النفسي، الذي لاحظت، وعبر زياراتي كأستاذ زائر في بعض السنوات إلى فرنسا، أنه مجال واسع جداً، وأن أهم الكتب التي تصدر في فرنسا اليوم هي في مجال التحليل النفسي والتطوير الذاتي، وعليه فقد أفدت من هذه المواضيع، وشرعت في ترجمة بعض الكتب التي تتصل بها، ومنها: كتاب (نصوص في التحليل النفسي عند الأطفال)، وكتاب (أزمة منتصف الحياة). إذاً امتد عملي في ميدان الترجمة نحو ٢٥ عاماً حتى اليوم، ونتج عن هذه الفترة ما يقارب من ٣٠ كتاباً مترجماً، و١٠ كتب مؤلفة، صدر منها عن جامعة دمشق: (أزمة منتصف الحياة)، و(علم النفس الميسر)، و(التحليل النفسي الذاتي)، و(علم نفس السعادة)، إضافة إلى ترجمة رواية في الخيال العلمي، وروايتي (جبل الروح)، و(كتاب رجل وحيد) للكاتب الصيني الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام ٢٠٠٠ «غاو شينغجيان». أما عن الهيئة العامة السورية للكتاب فقد صدر لي: كتاب (قوة التفاؤل وتعلم الثقة بالحياة)، وكتاب (الشخصية في الرواية)، وكتاب (المدارس والتيارات الأدبية)، إلى جانب الكتاب الذي نلت عنه المرتبة الثانية في جائزة سامي الدروبي للترجمة وهو كتاب (النقد الأدبي في فرنسا)، ليصدر لاحقاً كتاب (علم نفس الطفل)، وأخيراً كتاب (علم النفس الاجتماعي). ويردف السيد متناولاً ما يعكف على ترجمته اليوم من أعمال جديدة هو في صدد الإعداد والتحضير لها قائلاً: «وأعمل الآن على التحضير لإصدار كتاب ضخم لفيلسوف فرنسي مهم يحتل الساحة الفكرية في فرنسا اليوم وهو ميشيل أونفريه، وكتابه هذا هو عمل كبير يرد خلاله على فرويد. كما أنني في صدد الانتهاء من ترجمة كتاب آخر بعنوان (جسد الآلهة) وهو مشروع ضخم أيضاً يتضمن تسعة عشر بحثاً، لتسعة عشر باحثاً قدموا أبحاثهم لمؤتمر تناول نظرة الشعوب القديمة للآلهة، وكيف كانت تتعامل معها».
بدوره يعود د.باسل المسالمة إلى عام ٢٠٠٨ وهو العام الذي عاد فيه من بريطانيا ليخبرنا عن الفترة التي بدأ يترجم فيها الأعمال الفكرية والأدبية الإنكليزية، وينقلها إلى اللغة العربية، فيحدثنا: «بدأت ترجمة الكتب بعد عودتي من بريطانيا عام ٢٠٠٨، وأحضرت معي يومها عدداً كبيراً من الكتب، متسائلاً عن كيفية الاستفادة منها، والطريقة المثلى التي يمكن خلالها نقل المعرفة المُضمَّنة فيها إلى اللغة العربية والمكتبة العربية؛ وبدأت العمل في هذه الأثناء كمدرس في الجامعة لمادة الترجمة، ومن خلال الاحتكاك المباشر بالطلاب، وأسئلتهم حول بعض المعلومات المعرفية في الترجمة، فكرت يومها الخوض في هذ المجال بغية نقل معارف وأفكار الآخر، وتعرّف ثقافات شعوب العالم وحضاراتها، ومن هنا كانت البداية مع كتاب (فن قراءة الشعر) الذي صدر عن إحدى دور النشر الخاصة». ويضيف: «أما الموضوعات التي ترجمت عنها فكانت ضمن نطاق الأدب، والنقد الأدبي. فقد ترجمت عدداً من الكتب لعدد من المؤلفين أمثال تيري إيغلتون الذي ترجمت له كتاب (ما بعد النظرية) الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، وهو من الكتب المهمة في ميدان النقد الأدبي، ويتحدث عن موضوع النظرية الأدبية، والمدارس والتيارات التي دخلت ضمن نطاق الأدب، وكيف استطاع النقّاد بعد انحدار هذه النظرية التعامل مع النص الأدبي، وفهمه، وتحليله. ثم ترجمت لكاثرين بيلسي كتاب (الثقافة والواقع)، وهو من الكتب النادرة التي تعالج موضوع النقد الثقافي، وهذا ما دفعني إلى ترجمته لتناوله مجالاً جديداً يتحدث عن طبيعة الثقافة، ودورها في تشكيل هوية البشر، وكيف ترتكز الهوية على الثقافة من هذه الناحية، إلى جانب مناقشته آراء المنظرين في هذا الميدان. وبغية تحقيق التنوّع ترجمت رواية لـ نادين غوردمار صدرت عن هيئة الكتاب تحت عنوان (صديق عابر)، كما صدرت لي مؤخراً دراسة عن هيئة الكتاب كذلك تحت عنوان (الجمال والتسامي) وهي تناقش موضوع الجمال ونسبيته، وتتطرق إلى موضوع الجمال في الآداب والفنون».
وعن المعايير التي يعتمدها المترجمون عادة عند اختيار ما يقومون بترجمته من أعمال، والنصائح التي ينبغي على المترجمين حديثي العهد اتباعها، والعمل بها يرى د.غسان السيد: «إنه ليس هناك كتاب مهم، وآخر غير مهم؛ فتلقي هذه الأعمال، وسرعة نفاد طبعاتها هو أحد المؤشرات على أهميتها. مؤكداً في كلامه الموجّه إلى من يرغب دخول مهنة الترجمة حديثاً على أن عملية الترجمة هي عملية تراكمية تتطور بازدياد الخبرة، ومضيفاً ضرورة إتقان المترجم اللغتين المنقول منها وإليها، وتجنب اعتماده على الترجمة الآلية لما لها من دور في إضعاف الترجمة، وعدم إسهامها في إغناء المترجم، وزيادة خبرته».
من جانبه يبيّن د.باسل المسالمة في جوابه عن هذا السؤال: «إن قيمة الكتاب الفكرية، وما يقدمه من جديد في المجال الذي ينتمي إليه هو أحد معاييره في اختيار الكتب لترجمتها، إلى جانب معايير أخرى منها أهمية المؤلف، وحجم الكتاب… ويدعو الراغبين العمل في هذه المهنة إلى التحلي بالصبر بداية، فالترجمة عملية متعبة، إلى جانب أهمية إتقان المترجم اللغتين المنقول منها وإليها، وضرورة التأني في فهم النص لما يلعبه ذلك من دور في صوابية نقل الأفكار التي يتناولها الكتاب».
التاريخ: الثلاثاء25-1-2022
رقم العدد :1080