الملحق الثقافي:مها محفوض محمد :
الترجمة هي الفضاء الحقيقي لحوار الحضارات والتبادل الثقافي بين الشعوب، حيث تمد الجسور بينها وتقربها من بعضها فالتفاعل بين الثقافات يعتمد في الأساس على الترجمة كحاجة إنسانية ملحة لفهم العالم الآخر إذ لايمكن نقل حضارة إلى الآخر إلا بمعرفة لغته، ومن هنا برز دور الترجمة وأهميتها منذ القدم ولعل أقدم الترجمات المهمة ترجمة أجزاء من ملحمة جلجامش السومرية إلى لغات أخرى منذ الألفية الثانية قبل الميلاد وفي العصر العباسي تمت ترجمة علوم الطب والرياضيات والفلسفة والفلك عن اليونانية ولاشك أنها في العصور الحالية أصبحت ضرورة ملحة مع ازدياد وتيرة التقدم العلمي لنقل العلوم والتكنولوجيا للاستفادة منها ومواكبة الحركة الثقافية والفكرية في العالم وما إنشاء عدد كبير من مراكز الترجمة في أوروبا سوى دليل على الأهمية التي حظي بها نشاط الترجمة، ففي العام ١٩٤٧ أنشئت الجمعية الفرنسية للمترجمين وفي العام ١٩٥٣ أقيم الاتحاد الدولي للمترجمين وجمعية مترجمي الأدب عام ١٩٧٣ كما أنشأت مراكز خاصة للمؤلفات الأدبية في ألمانيا وفرنسا، اليابان مثلاً تقوم بترجمة مئات الكتب من اللغات الأخرى إلى اللغة اليابانية وتعد اليابان من أنشط الدول في مجال الترجمة العلمية والتقنية، إسبانيا تترجم أكثر من عشرة آلاف كتاب سنوياً بينما وطننا العربي بأجمعه لاتتجاوز ترجماته مئات الكتب رغم اهتمام الباحثين والمثقفين بهذه القضية إلا أن المشكلات التي تعاني منها حركة الترجمة في الوطن العربي تعود إلى أسباب عديدة أبرزها غياب الرؤية الاستراتيجية حول وظيفة الترجمة إذ يجب وضع خطة شاملة واعتماد عمل مؤسساتي واستراتيجية عربية للنهوض بصناعتي النشر والترجمة والتأكيد على ضرورة نقل الآداب العربية إلى اللغات الأخرى لما تكتنزه من مضمون ثقافي وحضاري، وأن يكون هناك ورشات لإنعاش مسيرة نقل الثقافات والعلوم من وإلى العربية، فالترجمة في اشتباك الشرق والغرب هي سلاح في ساحات المعارك وهنا يبرز السؤال: لماذا لانترجم أدبنا إلى اللغات الأخرى؟ بعد منتصف القرن العشرين بدأ الغرب بترجمة أعمال عربية إلى الفرنسية والإنكليزية لكن بشكل محدود جداً، فما بين عامي ١٩٤٨-١٩٦٨ تصدرت حكايات ألف ليلة وليلة معظم الأعمال المختارة ولم يعر الغرب انتباهه إلى الأدب العربي وضرورة الترجمة عنه إلا بعد فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب عام ١٩٨٨ الأمر الذي نبه المثقفين العرب إلى أن حركة الترجمة تسير باتجاه واحد فقط وسلط الضوء على قضية لماذا لايهتم الغرب بنا، ثم لماذا لا نسعى إلى إيصال أدبنا إليه ؟
يقول ادوارد سعيد في مقالة كتبها عام ١٩٩٠: «لم يحظ العرب ولغتهم بالاحترام إلى حد ما وبالتالي صاروا مصدراً للخطر والغموض، ومن بين جميع الآداب العالمية تظل اللغة العربية غير مقروءة في الغرب، الأدب العربي المعاصر في منعطف مثير للاهتمام بشكل خاص» لكن هل نقف عند سعيد فيما ذهب إليه ؟ لماذا لانترجم نحن وننشر أدبنا في الغرب دون أن نخضع لانتقاءاته وخطابه المهيمن سياسياً وثقافياً واقتصادياً ؟ وهو الذي لم يترجم عنا طوال عقود سابقة سوى ألف ليلة وليلة.
العالم العربي رغم تخلفه الحالي لكنه مهد الحضارات بتراثها الفكري وعملية تنشيط الترجمة رغم العداء المستعر بين الشرق والغرب ستفيد في نقل وجهة النظر العربية إلى الشعوب الغربية والإضاءة على حضارة المنطقة وطرح القضايا من وجهة نظر عربية لا كما يريد الغرب أن يراها إذا القضايا المهمة التي يجب أن يدركها العرب هي مدى إسهام الترجمة في نهضتهم وأنها ظاهرة تسبق كل إنجاز حضاري وعلى هذا يجب أن تولى الترجمة مكانتها المستحقة بوصفها قاطرة للتقدم العلمي والحضاري مثلما فعلت اليابان التي اعتبرتها خيارًا استراتيجيًا ودعمت مشاريعها بسخاء، الترجمة في الوطن العربي أمر هام جدًا في تعيين موقع العرب في اللحظة الراهنة من المعارف والعلوم والآداب وتبرز كوسيلة لاغنى عنها في التقدم والتفاعل مع الثقافات الأخرى.
في نظرية أستاذ اللسانيات جورج مونان: «إن الترجمة احتكاك بين الألسن وواقع من وقائع ازدواج اللسان» فعندما احتكت الشعوب ببعضها بعضاً كانت الترجمة، فالاحتكاك يؤدي الى ولادة أناس مزدوجي اللسان وبواسطة هؤلاء تتم الترجمة ولايمكن لأحد أن يترجم من دون معرفة متينة باللغة، فالترجمة فن قائم على العلوم اللغوية كما يؤدي المعطى الثقافي دوراً كبيراً في عملية الترجمة، فهي نقل من لغة إلى أخرى وتحتم على المترجم أن يجيد اللغتين بشكل كامل، وأن يكون مطلعًا على ثقافة البلد الذي يترجم منه، وأن يكون لديه إلمام كبير بالمصطلحات، ففي الترجمة العلمية يجب أن يلتزم المترجم بترتيب النص ولايقوم بأي إضافات أوتغييرات، أما الترجمة الأدبية فهي تعنى بروح النص وتعد من أصعب أنواع الترجمة لأنها ترجمة لأسلوب الكاتب أو الشاعر بما يختزن من ظلال المعاني وجمال اللغة فيقوم المترجم بترجمة النص مستخدماً الأسلوب الأدبي إذاً هي ترجمة حرة لايمكن التقيد بترتيب النص مع اختلاف المترادفات في اللغة الواحدة كما الاختلاف بين اللغات في الثقافة، وهنا يمكن القول إن الترجمة فعل خيانة لأن النص المترجم قد يزيد قليلاً أوينقص عن النص الأصلي لكن في الموضع الآخر الترجمة هي فعل تنوير لأن النص المترجم في لغته الجديدة ومكانه الآخر يقوم بدور رائد تنويري لدى القارئ مصداقًا لما تنطوي عليه مقولة بوشكين شاعر روسيا العظيم:»المترجمون هم خيول بريد التنوير».
التاريخ: الثلاثاء1-2-2022
رقم العدد :1081