الثورة – يمن سليمان عباس:
مما لا شك فيه أن أصحاب الرأي الفكري والثقافي وبكل ألوانه هم القادة الذين يجب أن يكونوا القدوة الحقيقية من خلال أفكارهم وما يقدمونه مما يعني العقل والضمير ويعزز قوة المجتمع.
وليس الذين يتكرر ظهورهم بشكل مستفز وهم في أحسن الأحوال صناعة زائفة تؤدي دورها وتنتهي محاولة أن تستلب كل القيم
من هنا علينا دائماً أن نركز على القيم والمثل ومن يبنون الفكر والوطن وعلى سبيل طغيان الزائف تروي أحلام مستغانمي قائلة: (وصلتُ إلى بيروت في بداية التسعينيات، في توقيت وصول الشاب الجزائري( خالد ) إلى النجوميّة العالميّة.
أُغنية واحدة قذفت به إلى المجد كانت أغنية “دي دي واه” شاغلة الناس ليلاً ونهاراً.
على موسيقاها تُقام الأعراس، وتُقدَّم عروض الأزياء، وعلى إيقاعها ترقص بيروت ليلاً، وتذهب إلى مشاغلها صباحاً.
كنت قادمة لتوِّي من باريس، وفي حوزتي كتاب “الجسد”، أربعمئة صفحة، قضيت أربع سنوات من عمري في كتابته جملة جملة، محاوِلة ما استطعت تضمينه نصف قرن من التاريخ النضالي للجزائر، إنقاذاً لماضينا، ورغبة في تعريف العالم العربي إلى أمجادنا وأوجاعنا.
لكنني ما كنت أُعلن عن هويتي إلاّ ويُجاملني أحدهم قائلاً: “آه.. أنتِ من بلاد الشاب خالد!”،
هذا الرجل الذي يضع قرطاً في أذنه، ويظهر في التلفزيون الفرنسي برفقة كلبه، ولا جواب له عن أي سؤال سوى الضحك الغبيّ؟
أصبح هو رمزاً للجزائر العجيب أن كل من يقابلني ويعرف أنني من بلد الشاب خالد فوراً يصبح السؤال، ما معنى عِبَارة “دي دي واه” ؟ ، وعندما أعترف بعدم فهمي أنا أيضاً معناها، يتحسَّر سائلي على قَدَر الجزائر، التي بسبب الاستعمار، لا تفهم اللغة العربية!
وبعد أن أتعبني الجواب عن “فزّورة” (دي دي واه)، وقضيت زمناً طويلاً أعتذر للأصدقاء والغرباء وسائقي التاكسي، وعامل محطة البنزين المصري، عن جهلي وأُميتي، قررت ألاّ أفصح عن هويتي الجزائرية، كي أرتاح.
الحقيقة أنني لم أحزن أن مطرباً بكلمتين، أو بأغنية من حرفين، حقق مجداً ومكاسب، لا يحققها أي كاتب عربي نذر عمره للكلمات، بقدر ما أحزنني أنني جئت المشرق في الزمن الخطأ.).
اليوم نحن بحاجة صناعة الوعي الحقيقي واستعادته وهذا واجب الكتاب والمبدعين واجب الثقافة والإعلام والفكر في ظل هذا الاستلاب المريع الذي نعيشه.