الثورة – حسين صقر:
يلجأ الكثير ممن يعانون نوبات عصبية حادة، وأمراض نفسية للهروب والتوحد، والبقاء مع الذات أكثر مما ينبغي، ويستخدم هؤلاء طرقاً وأساليب ويخترعون الكثير من الحجج كي يكونوا منعزلين، ويستمرون في البحث عما يعدّل أمزجتهم التي يظنون أنها معكرة وبحاجة للصفاء، ولكنهم يضلون الطريق وينحدرون، وتسوقهم وجوههم إلى أماكن يصعب الخروج منها.
أحد تلك الأساليب التي يلجأ إليها هؤلاء، هي المخدرات الرقمية من أجل الشعور بأشياء وهمية يسعون إليها لتحسين المزاج وزيادة هرمون السعادة، والشعور بالثمل دون الحاجة لتناول الكحول أو الشعور بصداع، وتحسين مهارات التصور والتخيل لديهم، و زيادة الثقة والتخلص من الإحباطات، ولكن سرعان، وبمجرد انقطاع الشبكة، ما يعودون إلى عالمهم الواقعي، وينصدمون بأن ما كانوا يعيشونه ليس سوى كذبة عللوا أنفسهم بها.
أحد أولياء الأمور وهو يعاني بقاء ابنه وحيداً في غرفته، وسماعات الأذن دائماً معلقة برأسه، يدخل عليه والده أكثر من مرة، ويراه شارداً، فهو لايستمع إلى الأغاني، ولايحضر مسلسلات ولايقرأ دروسه، ولكن كل مافي الأمر يستمع إلى الموسيقا، وذات مرة فاجأه وأخذ منه السماعات ووضعها على أذنيه ليعرف على ماذا يستمع هذا الولد، وإذ بصوتين مختلفي الإيقاع يستمع إليهما، وعندما سأله، قال له إنه نوع من الموسيقا يجعل الإنسان مسروراً، لكن الوالد شك بالأمر وروى ماحدث لأحد أصدقائه ممن لهم خبرة بالإنترنت، وأجابه إنها عبارة عن نوع من المخدرات ولكن الإلكترونية، وكانت الصدمة.
شاب آخر روى ما يحصل معه عند سماع هذا النوع من الموسيقا، أنه كان يشعر بالارتياح في بداية الأمر، لكن مع الأيام بدأت العزلة تأخذه، حتى أضحى منطوياً على نفسه، ولدى سؤاله عن الشعور الذي كان ينتابه، قال تحسن بالمزاج، وكانه تناول مخدراً، إلى أن بدأت تظهر عليه حالات عصبية وضيق وردود فعل سريعة عندما ينقطع الإنترنت أو لايكون متاحاً، وبسرعة انتبه لنفسه، وعرف السبب وعالج نفسه قبل أن يتفاقم الأمر من خلال الانتباه لمراقبة سلوكه.
ولدى سؤال مهندس المعلوماتية سامر مهنا عن هذه الظاهرة قال: إن مايسمى المخدرات الرقمية هي عبارة عن ترددات صوتية متماثلة باللون ومختلفة بالقياس، أي أن التي يتم الاستماع إليها في الأذن اليمنى تختلف عن اليسرى بعدد قليل من موجات تردد الهيرتز، وذلك عبر سماعات الأذن أو مكبرات الصوت، حيث يقوم الدماغ بدمج الإشارتين، ما ينتج عنه إحساس بصوت ثالث يدعى “بينا أورال بيت” فمثلاً: يكون تردد أمواج الصوت في الأذن اليسرى 100 هيرتز، و اليمنى 107 هيرتز، ويقوم الدماغ بإنتاج موجة تردد أخرى ذات 7 هيرتز، ويتم من خلالها إحداث تغييرات في نشاط الموجات الدماغية، حيث يجب أن يكون الفرق في الترددات بين الأذنين أقل من 30 هيرتز، وذلك للحصول على النتيجة التي يسعى إليها المدمن، وإلا سيتم سماع النغمتين على حدة دون إدراك الدماغ لأي منهما، والتأثير عليه.
ونوه مهندس المعلوماتية أن الفكرة الرئيسية لهذه المخدرات تقوم على اختيار جرعة موسيقية من بين عدة جرعات متاحة تتراوح مدتها ما بين 15 إلى 30 دقيقة للجرعة العادية أو 45 دقيقة للجرعة الشديدة التأثير مضيفاً أن النشاط العصبي مع وجود ترددات مختلفة تسمع عبر الأذن اليسرى واليمنى، وتفاعلها مع مسارات الدماغ السمعية المركزية، يؤدي إلى توليد نبضات تعدل الأنشطة في الفص الصدغي الأيسر، وهو ما يخلق أوهام لدى الشخص المدمن، وأشار أن هذا النوع من الموسيقا، والترددات الناتجة تستهدف العقل الباطني و تتطلب قدراً من التركيز، وهو ما يجعل ذلك الشخص في حالة توتر دون أن يشعر، بدلاً من الاسترخاء والراحة.
وأوضح مهنا أنه تنبع خطورة هذا النوع من “المخدرات”، بسبب سهولة الحصول عليها، حيث بالإمكان انتقاء المقطوعات الموسيقية من ثم تحميلها من الانترنت، وبثمن قليل، والاستماع إليها عبر سماعات الأذنين من خلال الولوج على شبكة الإنترنت.
وقال: يقوم المستمع لهذه الموسيقا المخدرة بالجلوس بغرفته مع إطفاء الأضواء، وإغماض عينيه، وبالتالي تؤثر هذه المخدرات الرقمية على الذبذبات الطبيعية للدماغ وتحدث به خللاً، حيث يسبب الاستماع إليها برجفة بالجسم وتشنجات، وتؤثر على الحالة النفسية والجسدية، وتؤدي إلى إنعزال المدمنين عليها عن العالم الخارجي. ويتطلب العلاج من هذا الإدمان، بالتركيز على الحالة النفسية للمدمن، كما يعاني من الصرع أو اضطرابات نفسية وعقلية أخرى.
ونوه أن هذا النوع انتقل عن طريق بعض الأشخاص الذين كانوا في الخارج، وختم فهي ليست هيروئيناً ولا كافييناً و ماريغوانا، لكن أخطارها تتعدى تلك الأنواع.