الثورة – عبد الحميد غانم:
العوم في بحر الظلمات كان يشكل تهديداً خطيراً للبحارة والسفن في القديم نظراً لصعوبة العوم في هذا المحيط الكبير المجهول حيث لا تعرف نقطة الوصول إلى اليابسة – أي بر الأمان.. وهو ما ينسحب على سياسات أمريكا ومخططاتها للهيمنة والسيطرة على المنطقة والعالم، وذلك من خلال سعيها لتوسيع الناتو شرقاً، ومحاولة ضم أوكرانيا، ما يهدد الأمن القومي الروسي، وكذلك مخططات ربيبتها “إسرائيل” العدوانية في فلسطين وسورية والمنطقة.. فأمريكا وكيان الاحتلال الإسرائيلي وأيضا نظام أردوغان كلهم أرادوا أن يعوموا في بحر الفوضى الأمنية باعتبارها أجواء مناسبة لتحقيق أطماعهم العدوانية دون أن يعلموا ما الذي يخبئه المجهول من وراء هذه السياسات والأطماع.
“فإسرائيل” لا تعلم يقيناً أن العوم في بحر الفوضى الأمنية مثل العوم في بحر الظلمات، وبأنه سيكون وبالاً عليها وعلى مصيرها ووجودها، ومن هنا يأتي العدوان الإسرائيلي الجبان فجر يوم الأربعاء الماضي على الأراضي السورية كأحد أوجه هذا الانخراط في الفوضى الأمنية، وهو عدوان ليس غريباً على كيان العدو لأنه يعكس حقيقة أطماعه وسياساته للتغطية على الحالة المزرية لسلطات الاحتلال المأزومة في سياساتها الداخلية والخارجية، ومحاولة هروبها من مآزقها التي تهدد مصير الكيان واستمرار بقائه.
فهناك تحدي الوجود والاستمرارية بسبب افتقاد الكيان لعوامل وأهداف نشوئه في المنطقة، وهي ليست نظريات بل حقائق ووقائع يطلقها إسرائيليون من داخل الكيان أو خارجه، ويحاول حكام الكيان الإسرائيلي إخفاء حقيقتها عن مستوطنيهم أنفسهم، وعن العالم من خلال حرف الرأي العام عنها عبر الاحتلال والعدوان داخل فلسطين المحتلة والجولان السوري المحتل، وكذلك عبر الاعتداءات المتكررة على سورية ودعم الإرهابيين فيها.
التحدي الأبرز للكيان الصهيوني هو استمرار المقاومة ضد وجوده وأطماعه واحتلاله وعدوانه، فلا يزال سلاح المقاومة ماثلاً للعيان في وجه الاحتلال ويهدد كل مخططاته العدوانية بأشكالها المختلفة والمتعددة.
إلى جانب ذلك يواجه كيان العدو تحدي البحث عن دور له في المنطقة، وعدم وجود استراتيجية ذات جدوى لاستقطاب يهود العالم، وهو ما تحاول سلطات الاحتلال تعويضه من خلال استغلال التوتر بين روسيا وأمريكا بشأن توسع الناتو شرقاً، واحتمال انضمام أوكرانيا، وما يشكل ذلك من تهديد للأمن القومي الروسي، حيث يتجدد التحريض من أجل هجرة يهود أوكرانيا إلى الكيان الإسرائيلي.
وعلى أي حال فالعدوان الإسرائيلي يشكل انتهاكاً مضاعفاً لمبادئ القانون الدولي ومبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها ذات الصلة، ويأتي وفق بيان وزارة الخارجية والمغتربين وسط صمت دولي ومظلة حماية توفرها الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي يشجع كيان الاحتلال الإسرائيلي على الإمعان في عدوانه المتكرر على سورية، وهو ما يسهم بتقويض وتآكل مصداقية المجتمع الدولي وما تسمى الشرعية الدولية، ويدفع حتماً إلى تأزم الأوضاع بشكل خطير.
إن استمرار الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية الإجرامية المتكررة والسافرة والرعناء تشبه العوم في بحر الظلمات والفوضى الأمنية الذي من المؤكد أنه سينعكس وبالاً على من يقوم بها ويشجعها.. وهذا لا يمنع أحداً من الرد، فمن حق سورية استخدام الوسائل المشروعة كافة للرد على الاعتداءات الإسرائيلية وتحميل كل من يقف خلفها المسؤولية التامة عن تداعياتها الخطيرة.
