الملحق الثقافي:نبيل فوزات نوفل:
في كتاب «الإبادة الثقافية» للأكاديمي الأميركي «لورنس دفيدسون» أستاذ التاريخ في جامعة بنسلفانيا ، والصادر في طبعته العربية الأولى عام 2017
حديث مستفيض عن تلك الإبادة الثقافية، والتي لم تخضع لتجريم في القانون الدولي، لذا تمارسه القوى الاستعمارية بلا نقد أو اعتراض، حيث يعمد مجتمع ما إلى إضعاف وتدمير القيم والممارسات العائدة لمجموعة لا تنتمي إليه.
ومن الأمثلة على ممارسة الإبادة الثقافية ما اتبعته النازية في ألمانيا من ممارسات تجاه الشعوب التي احتلتها،وما مارسته إسبانيا خلال حكم فرانسيسكو فرانكو التي منع فيها استخدام لغات الأقليات، مثل اللغة الكاتالونية، في الأماكن العامة، المدارس، المتاجر، وسائل النقل العامة، أو حتى في الشوارع، وكذلك منع تسمية الأطفال بأسماء كاتالونية، وتدمير الكتب المكتوبة بالكاتالونية، وإعادة تسمية المدن والشوارع وجميع الأسماء الجغرافية من الكاتالونية إلى الإسبانية، وإلغاء الحكومة وجميع المؤسسات الثقافية في كاتالونيا،ومنع التحدث باللغة الكاتلونية،وكذلك ما قامت به تركيا ضد التراث و الثقافة الأرمنية ، وسياسات التتريك التي اتبعتها خلال استعمارها للوطن العربي، والمذابح التي قام بها الأوروبيون تجاه الهنود الحمر،وكثير من الروايات الأميركية لا ترى في إبادتهم إلا قدراً محتوماً ، وبالتالي تم تخدير ضمير الجميع وأصبحوا يرون في الإبادة الجسدية والثقافية حقاً مشروعاً للرجل الأبيض، وأصبحت الإبادة طريقة تفكير تبحث عن المعلومات التي تدعمها ،ولقد رسم الفنان الأميركي جورج كاتلين المتوفي 1872م أكثر من أربعمئة صورة للقبائل الهندية ظناً منه أنها نصب تذكارية للهنود قبل زوالهم، وسوق الأميركيون فكرة صعوبة تحضر الهنود، وإذا أرادوا البقاء أحياء عليهم التخلي عن ثقافتهم، ودياناتهم ويصبحون مسيحيين ومزارعين، أي يكونون نسخاً هندية من البيض، أي إبادة الهنود ثقافياً
والإبادة الثقافية التي مارسها الفرنسيون بحق الشعب الجزائري والأميركيون تجاه الشعب الفيتنامي ، فمنذ نهاية الحرب العالمية شهد العالم ما يقرب 104 حروب ، لعب الإعلام فيها دوراً خطيراً في شيطنة الثقافة والحضارات للشعوب .
ويأتي الكيان الصهيوني في فلسطين في مقدمة الذين يمارسون الإبادة الثقافية من خلال الأعمال التي يرتكبها ضد الشعب العربي الفلسطيني بهدف القضاء على هذا الشعب جسدياً وثقافياً،من خلال تزوير وتشويه التراث الفلسطيني، وتغيير المعالم الحضارية ، وأسماء القرى والمدن ، ومحو التراث الفلسطيني ،والصهاينة بممارساتهم هذه عنصريين وعدوانيين يملؤهم إحساس بالتفوق العرقي والثقافي، وقد ذكر بن غوريون في مذكراته عام 1941 أنه «من الصعب تصور عملية ترحيل تامة دون إكراه وحشي»، لذا كان الترحيل لأكبر عدد من العرب في نظر بن غوريون أمراً ضرورياً من أجل إقامة ما يسمى الدولة اليهودية،ووضع الصهاينة خطط لتدمير البنية التحتية المدنية والترحيل الاجباري من أرضهم، ووقعت عدة مذابح، ودمرت (419) قرية فلسطينية، فكانت عملية تطهير عرقي حقيقة أحدث تحسناً في الوضع الديمغرافي اليهودي مقابل الفلسطينيين لكن بقى وقتها ما يقرب (150) ألف، وهنا انتقل الكيان الصهيوني إلى الإبادة الثقافية، من خلال «عبـرنة» الأرض عبر إبادة التراث الثقافي الفلسطيني، وبدأ الأمر بإعادة تسمية الأشياء وفق الرؤية الصهيونية، فنشأت «لجنة التسمية» لتهويد المناطق الفلسطينية، وفي الخمسينيات سمحت الحكومة الصهيونية للجنود بنهب المواقع المقدسة الإسلامية والمسيحية والمتاحف والسجلات وتدميرها، كما تم منع الثقافة الفلسطينية من الظهور حتى مع اختيار اليونسكو القدس عاصمة للثقافة العربية عام 2009م
وقد تزايدت المخاطر المهددة للإرث الثقافي العالمي في السنوات الأخيرة بشكل وقح، إذ سعت مجموعات مسلّحة غير حكومية، تناصر نمطاً ما من التطرّف العنيف غالباً، لتدمير بعض أثمن الآثار العتيقة حول العالم، سواءً في سورية، أو مالي، أو العراق أو أفغانستان،من خلال إحكام القبضة على النشاطات الثقافية، بما يتضمن الفنون بجميع أنواعها، وتدمير الآثار، والمكتبات، والسجلات، والمتاحف والمعارض الوطنية،وتدمير التماثيل ،والمعالم الأثارية وقتل العلماء وسرقة الآثار،وتحطيم الأيقونات وغير ذلك، وهذا يتم بدعم من القوى الامبريالية والصهيونية حيث تم تصنيع هذه المجموعات ودعمها وتسليحها للقيام بتدمير المحتمعات وتفكيكها وتدمير البنى التحتية فيها ،وتحطيم المعالم الثقافية والحضارية ، وهذا ضمن خطة العولمة المتوحشة التي تقودها الولايات المتحدة الاميركية ،وتتسارع الاختراعات وتتطور بسرعة فائقة ،وتتم الاكتشافات وتتطور التقانات بشكل مذهل ما يجعل الإنسان في حالة ذهول لما هو فيه، فرغم أن العقل الإنساني هو أبو هذا التطور الخارق إلا أنه يقع أسير ما يصنعه،وباتت التكنولوجيا تؤثر في صحة الإنسان ، فالمعرفة البيولوجية،بالإضافة للتطور في الطاقة الحاسوبية والمعلومات تؤدي إلى قرصنة الناس،حيث يتمثل الخطر في قدرة أنظمة المعلومات الذكية على جمع معلومات عن أي شخص في العالم ،بحيث يتمكن القراصنة من التلاعب بأفكار ومشاعر الناس.
التاريخ: الثلاثاء15-2-2022
رقم العدد :1083