الملحق الثقافي:سلام الفاضل:
تُعدّ المواقع الأثرية السورية من أهم المواقع الأثرية في العالم أجمع، إذ كشفت عمليات التنقيب التي أجريت فيها على مدى سنين عدة عن مكتشفات مهمة، ورقم مسمارية، وأوابد حضارية كان لها انعكاساتها الكبرى على مجرى التاريخ الفكري، والحضاري للعالم، لهذا قال العلماء عن سورية يوماً بأنها: (مهد الحضارات، وأرض الديانات، وجنة العلماء). واستهداف هذه المعالم الأثرية، إلى جانب استهداف علماء الآثار السوريين كانا هدفاً بارزاً للعصابات الإرهابية في الحرب الشرسة التي شنتها قوى الظلم والعدوان على سورية، ومن ذلك ما كان من تدمير معبدي بِل وبعل شمين، وقتل عالم الآثار السوري خالد الأسعد؛ وللوقوف على أهمية الأوابد الأثرية السورية، وأثرها في الحراك الحضاري العالمي، والسبب من استهدافها سرقةً، وتفكيكاً، وتدميراً تحدثنا إلى الباحث الآثاري الدكتور بسام جاموس الذي افتتح حديثه بالتأكيد على أن: «الإحصائيات الأخيرة في وزارة الثقافة – المديرية العامة للآثار والمتاحف، وكذلك إحصائيات علماء الآثار الذين عملوا في سورية بيّنت تصنيف سورية ضمن أغنى دول العالم على صعيد عدد المواقع والأوابد الأثرية، والتي تصل إلى أكثر من ١٠ آلاف موقع وآبدة أثرية، على الرغم من أن الأرض السورية لم يُنقّب فيها حتى الآن سوى ما مقداره ١٠ – ١٥%، حيث تُركت بعض المواقع للأجيال القادمة حتى تنقّب فيها، لتتحول هذه المواقع إلى مدارس وجامعات تُضيف إلى معارفنا في المستقبل شيئاً جديداً عن أهمية الحضارة السورية». وأضاف: «والنتائج التي كشفت عنها عمليات التنقيب في هذه المواقع الأثرية قدمت ثورات معرفية، بدءاً من عصور ما قبل التاريخ، وحتى الفترة العربية الإسلامية، حيث أكّدت هذه النتائج أن الاستقرار الحضاري بدأ منذ مرحلة مليون سنة حتى الآن ما أعطى أهمية استثنائية حضارية لسورية على الصُعد جميعها: السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والحضاري، والروحي الديني».
وتابع جاموس حديثه مُسلطاً الضوء على الشهرة العالمية التي اكتسبتها سورية في المجال الآثاري، وأبرز الهدايا الحضارية التي حملتها إلى البشرية، وكشفت عنها عمليات التنقيب في مواقعها الأثرية، قائلاً: «إن سورية اكتسبت شهرة عالمية، ولا سيما بعد اشتراكها في معارض كبرى، لأن هذه المعارض هي المرآة التي تعكس ما قدّمه الآباء والأجداد من هدايا حضارية إلى البشرية، ولعلّ أشهر هذه الهدايا هي الثورة الزراعية التي انطلقت في الألف الثامن ق. م من موقع المريبط الواقع على الضفة اليسرى لنهر الفرات في مدينة الرقة، والتي انتقلت فيها المجتمعات القروية من صيادين لاقطين إلى فلاحين ومزارعين، منتجين ومستهلكين. أما الهدية الكبرى الثانية فهي الكتابة، وخاصة الأبجدية المتكاملة التي عُثر عليها في موقع أوغاريت، والتي تعود إلى القرن الرابع عشر ق. م، إضافة إلى المقطوعة الموسيقية الأوغاريتية». وأردف: «ولكن الذي عرّفنا بالتاريخ السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والديني لفترة الألفين الثالث والثاني من عصور البرونز في بلاد الرافدين والشام، هما مكتبتا إيبلا وماري اللتان قدمتا أكثر من ٤٠ ألف رقيم مسماري تضمنت مناحي الحياة جميعها، وألقت الضوء ساطعاً على أهمية العلاقات الدبلوماسية والاجتماعية والفنية، وتطور الدراسات العلمية سواء على صعيد الفلك، أم القانون، أم الفلسفة، أم سوى ذلك؛ ومازالت النتائج الأثرية التي تفيض بها هذه المواقع مهمة جداً، وتَعِدُ بالكثير».
وعن الحرب الثقافية، والتدمير الممنهج الذي تتعرض له الأوابد الأثرية، والمواقع التاريخية في منطقتنا العربية منذ سنوات عدة على يد الاستعمار وأعوانه، أوضح جاموس: «إن الآثار، كما هو معروف، هي الجذر والهوية والتراث، وحربنا منذ سنوات هي حرب ثقافية بامتياز، تقودها قوة أحادية القطب هي الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها، والهدف الاستراتيجي منها هو طمس هذه المعالم الحضارية الأثرية جميعها، بغية طمس ذاكرة الشعوب من جهة، وطمس حضارة المشرق العربي من جهة ثانية، وأكبر الأدلة على ذلك هو ما تقوم به إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة من تزييف وتضليل التاريخ بالاعتماد على التوراة التي أكّد العلماء الآثاريون العرب والأجانب بأن ما ورد فيها لا ينطبق جميعه على نتائج المواقع الأثرية في مواقع التنقيب في فلسطين، ومنطقة الجولان العربي السوري، حيث أثبتت المعطيات أن فلسطين وبلاد الشام هما ممالك عمورية كنعانية شامية بامتياز، ولا وجود لأي أثر يهودي فيهما على الإطلاق في القرن الثاني الميلادي، كما ورد في التوراة». وأضاف: «وكذلك الحال فيما قامت به أميركا بعد غزوها العراق من تدمير المتاحف العراقية، إضافة إلى نهب وتخريب العصابات الإرهابية المسلحة المدعومة من أميركا وحلفائها منطقة الشمال السوري التي صُنّفت بأنها جنة وفردوس العلماء، ومركز استراتيجي للطلاب والباحثين.
وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أن المعارك الحالية هي معارك ثقاقية، وما يجري فيها يؤكد مخالفة أميركا وإسرائيل وحلفائهما المعاهدات الدولية جميعها، ولا سيما معاهدة لاهاي عام ١٩٥٤ التي تنص على عدم المساس بالتراث، والمخزون الثقاقي أثناء النزاعات المسلحة؛ وعليه فإن تدمير الآثار هي جرائم كبرى لن ينساها التاريخ».
ويوضح د. جاموس في ختام حديثه أن المديرية العامة للآثار والمتاحف في سورية، وبناءً على الاتفاقيات الموقعة بين وزارة الثقافة السورية، والوزارات والمنظمات الدولية في العالم تعمل جاهدة على إعادة الآثار التي سُرقت بعد جردها إلى مواقعها الحقيقية، إلى جانب ما قامت به هذه المديرية منذ بدء الحرب على سورية من توثيق الآثار رقمياً بالتقنية ثلاثية الأبعاد، وحفظها في أماكن آمنة.
التاريخ: الثلاثاء15-2-2022
رقم العدد :1083